للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثالُ ذلك من الفروع: أن يقولَ: النَبيذُ حرامٌ لأنه مسكرٌ، وكلُّ ما أسكرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ كالخمر، فيقال له: فالبَنْجُ (١) والأفْيُونُ (٢) وهذه المُخدراتُ كثيرُها يُزيلُ العقلَ، وُيذهلُ إذهالَ السُّكرِ، فيقول: فأنا أطردُ المذهبَ فيها، فيصيرُ تقديرُ كلامِه: فأنا لا أنقضُ عِلَّتي، ولا أمنعُ إجراءَها في معلولاتها، ولذلك أصيرُ إلى القول بتحريمِ قليلِ البَنْجِ والأفْيونِ، فاطردُ المذهبَ لتَنْحرِسَ العلَّةُ، فهذا مما يقبحُ في علم الجدلِ حيث كان تصحيحاً للدَّليلِ بالمذهب، والمذاهبُ تؤخذُ من الأدلةِ، فأمَّا أن تؤخذَ الأدلةُ أو تُصحَّح من المذاهب فكلاَّ.

وهذا يكثرُ من الفقهاء، اللهم إلا أن يكونَ المذهبُ علةً، مثلُ أن يكونَ المذهبُ: كلُ مسكرٍ حرامٌ، أو يكونَ صاحبُ المذهب وضعَ أن كلُّ ما أسكرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ، فلَعَمْري إنه إذا ما الزِمَ عليه المسكراتُ من الأدويةِ يقول: لا يلزمني، فإن المذهبَ خارجٌ مخْرَجَ التعليلِ، وموضوعٌ وضَعْ التعليلِ.

فإن قال: أما الجسمُ فإنه باقٍ من طريق الضَرورةِ؛ فلذلك لم أقلْ بعدمِه، والأفْيُون وهذه الأدويةُ مباح استعمالُها بالإِجماع (٣)، فكيف يمكنني أن أقولَ بتحريمها؟ فهذا عُذْرِي في نفي إجراءِ علتيَ في هذه؛


(١) البَنْج -من الهندية-: جنس نباتات طبية مخدرة من الفصيلة الباذنجانية، تستخدم المادة المستخرجة منه في التخدير والتنويم."المعجم الوسيط" (بنج).
(٢) الأفيُون: عصارة الخَشْخاش، تستعمل للتنويم والتخدير. "المعجم الوسيط" (أفيون).
(٣) على أنها أدوية تستخدم للتداوي فقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>