بين الصَّديقتَيْن يَقطَعُ، وكان الحكمُ للتَحريمِ لقطيعةِ الرَّحمِ لا الصَّداقةِ، كذلك جازَ أن تُخَصَ هذه الأُمَّةُ (١) بتحريمِ ما يقطعُ بينهم ويَصُدُهمِ عن ذكر الله وعن صلاتهم لحرمةٍ تَخُصُّهم، فتكونُ منزلةً لهم وخصيصةً خُصُوا بها يكونُ في مخالفِتها من المفسدةِ ما لم يَكُنْ في حقِّ مَنْ سلفَ وما سلفَ مِنْ حالِهم، والله أعلم.
وقد قال بعضُ أهلِ العلمِ الأئمة: فإن قالُوا لنا: فما العلَّةُ التي كان بها قبيحاً في هذه الحالِ، وقد كان يجوزُ أن يقعَ في الحالِ الأُولى غيرَقبيحٍ؟
قيِل لهم: العلَّةُ في ذلك هو القَصْدُ إليه مع قيامِ الحجَّةِ بأن فيه مفسدةً.
فإن قيل: فما العلَّةُ التي لأجلها قَبُحَ القصدُ، وقد كان يجوزُ أن يقعَ في الحالِ الأولى؟ فنحن نسألُكم عن تَجَدُدِ قُبْحِ القصدِ، كما سألناكم عن الموجِبِ لتجدُّدِ القبحِ ما هو؟
قيل له: لم يكن يصحُّ أن يقعَ القصدُ الذي مع قيام الحجةِ الآن قبل قيام الحجَّةِ؛ إذ ليس القصدُ الذي قبل قيام الحجةِ كَالقصدِ الذي بعد قيامَ الحجةِ، كما لا يَصح أن يقعَ العلمُ بالَحركةِ -الذي هو عِلمٌ بأن المحَلَّ يتحركُ -قبل أن يُعلمَ المحل، فهذا العلمُ بخلاف العلمِ بالحركةِ من جهةِ أنها حركةٌ، فكذلك هذا القصدُ الذى مع قيامِ الحجَّةِ
يخالِفُ القصدَ الذي ليس مع قيام الحجَّةِ، وهو عندي أحسنُ من الأوَّلِ؛ لما فيه من رَدِّ القبحِ إلى اَلقصدِ مع قيامِ الحجةِ.