لم يُوفَقْه لفعلِه ولا عَصَمَه من تركِه. فإن اعترفَ المعتزليُّ بهذا التشبيه، ثم طعنَ في الجوابِ، فقد طعنَ في الأصلِ الذي تفرع منه، وإذا طعنَ في الأصلِ، فقد طعنَ فيما يقولُ به.
فإن قال له المعتزليُ: فكذلك فقل: إنه يُكلفُ ما يُعجَزُ عنه، قياساً على هذا الأصل.
فيقولُ: التوفيقُ ثوابٌ، ولا بأسَ بتركِ ثوابِ من لم يعلمْ، فأمَّا تكليفُ العاجزِ فإنه سَفَهٌ.
فيقول له: فاجعل هذا أيضاً فرقاً بين [سلبِ](١) التوفيقِ وسلب القُدْرةِ، وسلبُ واحدٍ له تكليفٌ من سلب التوفيقِ دونَ سلبِ القُدْرةِ.
وليس هذا جوابَ المُجبِرِ، ولكنه مثالٌ يُتكلمُ عليه، فهذا جائزٌ له، لأنه سلَّمَ التشبيهَ غيرَ معترفٍ بما بعده بعد التسليمِ.
وللمعتزليِّ أيضاً أن يسألَ عن الدليلِ على أن تكليفَ من ليس بموفَقٍ ولا معصوم كتكليفِ من ليس بقادرولا ممكَنٍ؛ لأنه يضعُ السؤالَ في موضع خلافٍ، ألا ترى أنه ليس كلُّ من يعلَمُ أن الله يُكلفُ مع عدم العصمةِ والتوفيقِ، يعلمُ ويعتقدُ أنه يُكلفُ مع عدمِ القُدْرةِ والطَاقة؛ بل يعلمُ خلافَ ذلك، ويَدرِي أن التوفيقَ تسهيلٌ، والعصمةَ من أكبرِ الألطافِ، وأنها يجوزُ أن يَخُص بها المجتهدين في طاعتِه وخَواص خَلْقِه؛ لكونِها من زوائدِ إزاحةِ العللِ، فأمَّا أصلُ القُدَرِ والاستطاعاتِ والطاقات، فإنها المصحِّحةُ للنُهوضِ بحقائقِ التكليفِ فأين إزاحةُ العللِ بالرواتب اللابُدَيةِ من الزوائدِ اللطفية؟ وما منزلةُ ذلك