للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلقِ للواحدِ من المعتزلةِ النَافينَ لخلقِ الفعلِ: إذا زعَمْتَ أن فعلَ الخلقِ غيرُ مخلوقٍ، فما الفرقُ بينك وبين من زعمَ أنه مخلوقٌ؟ فهذه المعارضةُ مقابلةُ دعوىً بدعوىً، وليس مقابلةَ علَّةٍ بعلةٍ، وَيحسنُ أن يكونَ جوابُه هذا القولَ، وهو: إنها مقابلةُ دعوىً بدعوىً، والدعْوَيانِ نفرُقُ بينهما بما دَل على صحَّةِ إحداهما (١) وفسادِ الأخرى، وكذلك الفرق بين المدَعِيَيْنِ؛ لأنه إنما فرَقَ بينهما بما فَرَقَ بين دعواهما، فَمُطالبتُكَ بما الفرقُ بيننا وبينك من هذا الوجه، مطالبةٌ بدليلِ دعوانا الذي صححَها وأبطل دعواك، فكان تقدير كلامِك: دُلني على أن عملَ الخلقِ غيرُ مخلوقٍ، والدليل على ذلك كَيْتَ وكَيْتَ.

وأما معارضةُ العلَّةِ بالعلَّةِ: فكقولِ أهلِ التوحيدِ للجسمى: إذا زعَمْتَ أن اللهَ جسمٌ؛ لأنك لم تَعقِلْ فاعلًا إلا جسماً، فهلَّا زعمتَ أنه مؤلَف؛ لأنك لم تعقِلْ فاعلًا ولا جسماً إلا مؤلفاً؛ لأنهم وضعوا علَتَه الأولى فيما عارضوه به، وهي المعقولُ، وهذا أصحُ ما يكونُ من المعارضةِ.

ومن الأول (٢): قولُ السائلِ للمجيب: لِمَ لم تَقُلْ كذا، كما قلتَ كذا؛ وربما قال عاطفاً على شيءٍ دخل في دَرْجِ كلامِه: وكذا أيضاً فقل كذا، وهذا لا يكون إلا من جاهلٍ بالمعارضةِ، أو من منقطِعِ يَتعلَّلُ؛ لأن الكافَ في كما وكذا كافُ تمثيل، فأمَّا معنى قوله: مَثلَ كذا بكذا، فالتمثيلُ إنما يقعُ في النَّفسِ والصورةِ أو في العلَّةِ.


(١) في الأصل: "أحدهما".
(٢) أي من معارضة الدعوى بالدعوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>