للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقولُ له السنَيُّ جواباً عن سؤالِه: أخْبِرْنِي عن قولِ اللهِ سبحانه لموسى: {لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: ١٠]، لا يخلو خوفُ موسى من أن يكونَ طاعة، فيكونَ اللهُ قد نهاه عن طاعةٍ، ولا يجوزُ ذلك، [أو] (١) أن يكونَ معصيةً، فقد عصى موسى في أجَل لياليه ومَقاماتِه عند ربِّه، فسقطَتِ المسألةُ بهذا الجواب للتسويةِ بين النهْيَيْنِ، فإنه لا يلزَمُ السُّنَى أن يكونَ أبو بكرٍ قد عصىَ، إلا أن يَلزمَ الِإماميَ أن يكونَ موسى قد عصى.

ومتى طلبَ إقامةَ العذرِ لموسى في خوفِه، وأن الخوفَ غلبَ عليه؛ لأنه من طباع الآدميَ الخوفُ من صُوَرِ الحيواناتِ المؤذيةِ وخرقِ العادةِ، قام العذرُ لأَبي بكرٍ في حصولِ خوفِه على النبى صلى الله عليه وسلم؛ حيث رأى من رسولِ الله الهربَ والتَخفَيَ من مكيدةِ المشركين، والمخافة على النبى طاعةٌ، وليس كلُّ طاعةٍ يكونُ النَهى عنها عصياناً؛ حيث كان النهيُ قد يقعُ إشفاقاً وإسقاطاً للمَشَقَّةِ عن المطيعِ، مثلُ قولِه سبحانه: {طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: ١ - ٢] و [قولِه] {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: ٨]، وما هذا سبيله لا يكونُ خوفاً يخلعُ الوِلايةَ، ويَحُط من رتبتِه الصالحةِ لأصلِ الِإمامةِ.

ومثالٌ آخرُ: مثل سؤالِ أصحابِ الأحوالِ (٢) عن دعائِنا لله بأن


= "التفسير الكبير" ١٦/ ٦٧ - ٦٩.
(١) ليسص في الأصل، واستدركناها لاقتضاء المعنى لها.
(٢) يقصد المؤلف المتصوفة، والحال عندهم كما قال الجرجاني في "التعريفات" ص ٨١: هو معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>