فإن قال قائل: إذا كان بعضُ الموجودين لا يكونُ إلا بموجِدٍ، فكلُّ موجودٍ لا يكونُ إلا بموِجدٍ، لم يصحَّ ولم يَلزَمْ ذلك؛ لأن بعضَ الموجودين كان وجودُه مع جوازِ أن لا يُوجَدَ، فاحتاجَ إلى موجِدٍ، فأمَّا ما وُجِدَ، ولم يكُ وجودُه بعد أن لم يَكُنْ، أو وجبَ وجودُه، لم يَحْتَجْ إلى موجِدٍ، بل استغنى بوجوبِ وجودِه عن موجِدٍ.
فصل
في المعارضة بالمثل والنظير
اعلم أن المعارضةَ بالمثلِ والنَّظيرِ: هي مقابلةُ ما يشهدُ به أحدُ المِثْلَيْن بما يشهدُ به الآخرُ، وذلك كالجوهرَيْنِ إذا لم يَصِح أن يكونَ أحدُهما قديماً، لم يَصحَ أن يكونَ الآخرُ قديماً، وذلك كغَرْفَةِ ماءٍ تُقسَمُ بقسمين، أو كثوب يُقطَعُ نصفين، وما أشبهَ ذلك، فهذا لا مُؤنةَ على عاقل ولا كُلْفَةَ فيً أنه إذا كان أحدُهما محدَثاً، فالأخرُ محدَثٌ؛ من حيثُ كانا متماثلين، وكذلك قياسُ السُّكونين المِثْلين في أنه لا يجوزُ أن يكونَ أحدُهما قديماً والأخرُ محدَثاً، كما لم يَجُزْ في الجوهرين، وكذلك التَّدبيران إذا كان أحدُهما لا يكونُ إلا من مُدَبرٍ، وكذلك المحكَمُ من بناءِ الدُورِ إذا لم يَكُنْ إلا ممنْ يُحسِنُه، فالمحكَمُ من بِنْيَةِ الإِنسانِ لا يجوزُ إلا ممن يُحسِنُه، كذلك يقتضي العقل فيه.
فأمَّا المعارضةُ بالنظيرِ: فهي المقابلةُ بين الشيئين اللذين لا يَسُد أحدُهما مَسد الأخرِ في العقلِ، وان (١) كان كلُّ واحدٍ منهما يشهدُ