بمعنىً آخرَ، ومنه ما لا يكونُ كذلك، والفعلُ والقولُ يحضرُ بحضورِهما من جهةِ شهادتِهما به واقتضائِهما له، ولم يَكُنْ يجوزُ مع سلامةِ العقلِ ألا يَشهدَ الفعلُ بالفاعلِ إذا لم تعترِضْ شبهةٌ، ويشهدَ بأن الفعلَ إذا كان فلا بُد من فاعلٍ عَلِمَه عالِمٌ أو لم يَعلَمْه عالِمٌ، وكذلك اللونُ، فلا بُدَّ من مُلون، واذا كانت الحركةُ، فلا بُدَّ من محرِّك، وإذا كان العلمُ، فلا بُد من عالم به، وإذا كانت القدرةُ، فلا بد من قادر، وإذا كانت الِإرادةُ، فلا بُد من مريد، فهذا الطريقُ من الاستدلالِ لا [بد أن](١) يجتمعَ فيه أمران: أحدهما استخراجُ المعنى، والآخر: شهادتُه بصِحتِه.
وأما دَلالةُ الكلامِ على المعنى فليست مما إذا كان، كان المعنى لا محالةَ، ألا ترى أنه قد يَسمعُ العَجمى كلامَ العربي فلا يحضرُه معناه، فهو من باب العلاماتِ التي جُعِلَت دلالةً على الشيءِ وقد كان يُمكنُ أن تُجعل على خلافِ ذلك، وليس كدلالةِ الفعلِ على الفاعلِ؛ إذ لا يُمكنُ أن تُجعلَ على خلافِ ذلك، فيكونُ العاقلُ يَستدِل بالفعلِ على أنه ليس له فاعل، كما كان يُمكِنُ أن يَستدِل بقيامِ زيدٍ على أنه ما قامَ، ويستدل بما قامَ زيدٌ على أنه قد قامَ، ألا ترى أنه لو تواضعَ اثنان بينهما على ذلك؛ لتفاهما من ذلك ما تواضَعَا عليه، واختصا بفهمِ ذلك حَسَبَ تواضعِهما.
وأما الاستدلالُ بالفكرِ فهو على ضَرْبَينِ: أحدهما: إطلاقُ الفكرِ، والآخر: تقييدُه، كالفكرِ في كذا.