مَنْ فيه الحركةُ مُتحركاً، وجَوَّزَ كونَ مُتحرَك بلا حركةٍ، فلخَصْمِه أن يَقلبَ عليه القضيةَ، فيجعلَ الواجبَ ما أسقطَه، والساقطَ ما أوجبَه، فقال: بل المُتحركُ فيه حركةٌ، ومن فيه الحركةُ ليس بمتحرِّكٍ، فلا يَجِدُ انفصالًا عن القَلْبِ عليه.
والأصل في هذا: أنَا لَما وجدْنا حركةً واحدةً تحدثُ في الشيءِ فيكونُ مُتحرَكاً بحدوثِها فيه، وجبَ القضاءُ على كلُّ حركةٍ بمثلِ ما شوهدَ فيها، وعلى هذا القياسِ: أنَا متى وجدنا شيئاً واحداً لا يَتحركُ إلا بحدوثِ الحركةِ فيه، وجبَ على كلُّ متحركٍ غابَ أو حضرَ بمثلِ ما شوهدَ منها، فإن لم يَسْتحِلْ وجودُ مُتحرَكٍ لا حركةَ فيه، فكان هذا الحكمُ إنما يقعُ على الجسمِ المُشاهَدِ دون ما لا يَحتمِلُ الحركةَ، ولا بُدَّ من أن يكونَ مُتحركاً، فقد صارت هذه القضيةُ مانعةً من القضاءِ على الغائبِ بما أوجبَتْهُ العلةُ في الشاهدِ، ولم تنكرْ أن يكونَ في قُدرَةِ الله سبحانه حركةٌ يُجريها في شيءٍ لا يجوزُ عليه التحركُ، فلا يكونُ بحدوثِها فيه متحركاً، وليس حكمُ الغائبِ من المحدَثاتِ حكمَ الشاهدِ فيما وجَدْنا من عِلَله، فإن وجدنا دَلالةً تُثبتُ شيئاً لا يجوزُ عليه التحرُّكُ ولا بُدَّ من حُلولِ الحركةِ فيه متى يكوَنُ هذا، نظراً لقولِهم: عندنا دلالةٌ تُثبِتُ شيئاً لا بُدَّ من وصفهِ بالتحرُكِ ونَفْي الحركةِ عنه، وإلا فأصل ما يجبُ تجويزُه إذ ليس يُمكِنُ القطعُ على كلِّ غائبٍ بحكمِ ما شوهدَ، فيكونُ ذلك مانعاً من إثباتِه وتجويزِه، والشيءُ إذا لَم يَمنعْ منه مانعٌ، وجبَ تجويزُه، إلا أن تمنعَه بَديهةُ العقلِ، فيكونُ دفعُها أكبرَ الموانعِ منها.