للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذنبَ له؟ فإن كان له ذنبٌ، استقامَ الجوابُ لك، فلا يصحُّ أن يُعاقِبَ الله العبدَ من غير ذنبٍ، وإن لم يَكُنْ له ذنبٌ، فالجوابُ على أصلك: أنه قد يصحُّ أن يُعاقَبَ اللهُ العبدَ من غير ذنبِ إذا كان لم يفعل ما وجبَ عليه، فلِمَ تَحِيدُ عن الجواب وهو لك لاَزم؟ إلا أن في القول بأنه يصحُّ أن يُعاقبَ اللهُ العبدَ من غير ذنبٍ شُنْعَةً في العقول، فليس العَيْبُ إذاً في السؤالِ، وإنما العيبُ في هذا المذهب، فاتْرُكْ ما فيه العَيْبُ.

وبعدُ: فما السؤالُ عن هذا المعنى بما لا يكونُ فيه إيهامٌ؟ أرأيتَ لو قيل لك: ايجوزُ اُن يُعاقِبَ اللهُ العبدَ من غير قبيحٍ كان منه؟ هل كنتَ تقولُ: فىِ هذا إيهامٌ أيضاً؟ وكذلك لو قيل لك: أيجوزُ أن يُعاقِب اللهُ العبدَ من غير فعلٍ كان منه أصلاً؛ هل كان في هذا إيهامٌ؟ فكيف السؤالُ عن هذا المعنى بما ليس فيه إيهامٌ؟ وكل هذا الذي ذكرنا انقطاع من المجيب؛ لأنه عَجْزٌ عما ضَمِنَه من الانتصار لمذهبه، فادَّعى الِإيهامَ لِمَا لا إيهامَ فيه، وعدلَ إلى الجوابِ عمّا لمْ يُسأل عنه، فالمسألةُ واقعةٌ عليه لم يُجبْ عنها، وذلك انقطاع في حكم الجدلِ، وقد بَيَّنَا أن الانقطاعَ في الجملةِ: هو العجزُ عن استتمام ما ابْتَدأَ به المتكلِّمُ من نُصرةِ المَقالة، وأنه إنما سُمي انقطاعاً؛ لأن صَاحبَه وقفَ قبلَ بُلوغِه الغايةَ التي أَمَّها بالعجزِ عن البلوغِ إليها، فمتى وجدت العجز في كلام، فاحكمْ على صاحبه بالانقطاع.

وليس في الانقطاع دليلٌ على فساد المذهب لا مَحَالَةَ، ولكنْ فيه دليلٌ على أحدِ شيئين: إمَّا تقصيرُ الخصمِ عماَ يَحتمِلُه المذهبُ من الحِجاجِ فيه، وإما استثناؤه ما يحتملُه مع تقصيرِه عما يَضمَنُه له؛ إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>