للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه لو كان جوهراً، ويصحُّ أن يقومَ بنفِسِهِ، لصَحَّ أن يحيا ويعقل ويكلَّف، فإذا ثبت أنه عَرَضٌ، فالدلالة على أنه ليس بعَرضٍ غيرُ العلم؛ أنه لو كان عَرَضاً غيرَ العلم، لصح وجود سائرِ العلومِ مع عدمِهِ حتى يكونَ العالمُ بدقائقِ الأمور غيرَ عاقلٍ، أو وجودُه مع عدم سائرِ العلوم، حتى يكون الكاملُ العقلِ غيرَ عالم بنفسه، ولا بالمدرَكَات، ولا بشيء من الضروراتِ، إذ لا دليل يوجب تضمُّن أحدِهما للآخر، وذلك نهاية الإِحالة، أوَ لا ترى أن سائرَ أنواع الأعراضِ يجوز أن يكون كل واحدٍ منها في المحل، ولا يكون بُدّا من حصول اتِّصافِ المحل بالعَرَض الآخر، بل إذا حَمَلَ الجسمُ عَرضاً من جنسٍ امتنع من حمله لأخرَ من جنسه مما يُضاده، فلما كان في مَسألتنا لا يصح أن يكون عالماً مَن ليس له عَقلٌ، ولا عاقلاً من ليس له عِلم، عُلِمَ أنه نوع من العلوم لا غير.

وأيضاً فإنه لو كان ليس من العلوم، لم يَخلُ أن يكون مثلَها أو ضِدَّها وخِلافَها، أو خلافَها وليسَ بضدٍ لها. ومحالٌ كونه مثلها لأنها مختلفة، والشيء لا يشبه أشياء مختلفة، ولأنه لو كان مثلها لاستغنى بها عن وجوده؛ لأن المِثل يَسُدُّ مَسَد المِثل، كالجوهر يَسدُّ مَسدَّ الجوهر، وَلَوجَبَ أن تكونَ العلوم عقلاً إذ لا يُشابه العقل ما ليسَ بعقلٍ. وَيستحيل أن يكون ضِدَّها وخلافَها؛ لأن ذلك يُفضي باستحالةِ اجتماعهما-أعني العقل والعلم- وذلك باطل باتفاق. بل لا يصح أن يكون عالماً إلا من كان عاقلاً. ومُحالٌ كَوُنه خِلافَها وليس بضدٍ لها؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لجاز وجودُ كلِّ واحدٍ منهما (١) مع ضدٍّ صاحبه


(١) في الأصل: "منها".

<<  <  ج: ص:  >  >>