للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصله في اللغة: شَدُّ رأسِ البعير بخِطامِه إلى ذِراعه.

وعند أهلِ الجدلِ: أن يتبدلَ ترتيبُ الكلامِ ويتحفظَ معه أمران: الصفةُ والصدقُ.

ومثال ذلك: قولك: رجل قائم. فإذا عكستَ قلت: قائم رجلٌ. فتجعلُ المبتدأ خبراً والخبرَ مبتدأ، ويتمُ ذلكَ عندهم في النفي العام أبداً، ولا يتمُ في النفي الخاصّ أبداً. والإثباتُ الخاصُ يتمُ فيه أبداً، وأما الإثباتُ العام فلا يتمُ فيه إلا إذا جعلته خاصاً، فإذا قلت: كلُّ مسكرِ حرام. كان هذا صدقاً، وإذا عكست فقلت: كلُّ حرامِ مسكر. لا تصدقُ إلا إذا خصصت فقلت: وحرامٌ ما يُسْكِرُ.

وأما صورتُه عند الفقهاءِ: فكقولِ الحنفيّ في الماءِ إذا تغيرَ بالخل أو الزَّعفران: إنه لو كان تَغير الماءِ بالزعفرانِ يمنعُ الوضوءَ به، لكان وقوعه فيه يمنعُ (١)، كالنجاسةِ إذا حصلتْ في ماء قليل، لما منعَ تغيرُ الماءِ بها من الوضوء منع وقوعها فيه. وذلك أنه يدعي أن التغييرَ والوقوعَ يفترقان وينعكسان، ما يمنع وقوعه يمنع تغيره، ثم يُبدل فيقول: ما يمنعُ تغيرَه يمنعُ وقوعَه، على ترتيبِ أهلِ الجدل، إلا أنه ينقلُه إلى الزعفران فيقول: ثم وجدتُ الزعفرانَ وقوعه لا يمنع، فتغيرُه لا يمنعُ.

فحقيقةُ العكسِ عند أهل الجدلِ: ما يمنعُ وقوعَه يمنعُ تغيّره، وما يمنعُ تغيرَه يمنعُ وقوعَه، إلاَ أنه لا يتمُ له إلا إذا أتى بهما خاصَّين منكرين.

والفقهاءُ يريدونَ بعكسِ العلَّةِ: عدمَ الحكمِ عند عَدمِ العلَّةِ بكل


(١) أي لكان مجرد وقوع الزعفران في الماء يمنع الوضوء، حتى لو لم يحُدث تغيراً في طعمه أو لونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>