فإنَّ هذأ بحسب اجتماع الفَرع والأصلِ في العلَّة مهما بلغت أوصافُها.
وقد قال أصحابنا وأصحابُ الشافعي في مسألةِ من كان بقُرب المصر يجبُ عليه الحضورُ إذا سمع النداء: حُر مُسلم صَحيح مُقيم في موطنٍ يبلُغهُ النداءُ من موضع تصحُّ فيه الجمعةُ، فهوكالمقيمِ في المِصْرِ. وهذا القياس يَتضمن سبعةَ أوصاف.
فَوجه من جَعل الأولى من القياس ما قلَّ أوصافَه أن قال: إن ذلك مُؤذِن بقلةِ دخولِ الفسادِ، كمدينةٍ تكتفي في الحراسة بسورٍ واحد وحارسٍ واحد.
ومن الناس من قال: الكثيرةُ الأوصاف أولى (١)؛ لأن ذلكَ مؤذن بكثرة شَبَه الفرع بالأصل، وخاصة على أصلِ من يقول بأنَ التسويةَ بين الأصلِ والفرعِ دافع للنقض.
واعترض بعضُ أهل الجدلِ على اعتلالِ القائلِ الأول وقوله: أقل لدخول الفَساد، وقال: هذا قولُ من يظن أن الأوصافَ موضوعة للاحتراز، ولذلك شبهها بالأسوارِ والحصونِ، وليس الأمرُ على ذلك؛ لأن الأوصافَ إنما تدخل في التعليلِ بحسب تأثيرها في جَلب الحكم لا للسلامة من النقضِ، ولذلك لايعتد بوصف هو حَشوَ خِلْو من معنى، وإن كان دافعاً للنقض، وما هو إلا بمثابة الشبه في باب القِيافة، وكلما كثر الشبه تأكًد الظن في إلحاق الولد بالمُشبَّه به.
(١) هو رأي بعض الشافعية كما في "التبصرة": ٤٨٩، و"اللمع": ٨٠.