وعن محمدِ بن شُجاعِ الثلجي (١): أنه لا يجوزُ القياسُ عليه إلا إذا كان طريقهُ مقطوعاً به. وكلُّ ذلك غيرُ صحيح عندنا؛ لأنَّهُ إذا دلًت الدلالةُ على تعليلهِ، جاز القياسُ عليه كسائرِ الأصولِ، فأمَّا مخالفتُه لسائرِ الأصولِ الأخَرِ فتوجبُ الرجوعَ إلى الترجيحِ، فيعارض الأصلان، على أنهم قد قاسوا أرشَ الموضحةِ فما زاد على ديةِ الجنينِ، وهو عارٍ وخالٍ عما ذهبوا إليه.
فصل
فعلى هذا إذا قاسَ الشافعيٌ على موضعِ الاستحسانِ فقال الحنفيُ: لا أُسَلِّم لك الحكمَ في الأصلِ على حكم القياسِ، مثلَ أن تقيسَ ما دونَ الموضِحةِ على الموضِحةِ، فيقولُ الحنفيُ: لا أسَلمُ أنَ الموضِحَة على أصلِ القياس، فهذا فاسدٌ؛ لأن القياسَ ليس مذهبه الآن، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يمنعَ على مالا يقولُ به، وإنما وزانه أن يقولَ: لا أسَلِّمُ على مقتضى العقلِ، وهو فاسدٌ، فكذلك هذا.
وقيلَ: ينظر في ذلك، فإن كان صاحبُ المذهب روي عنه روايتان رواية قياساً وروايةٌ استحساناً، فالمنع صحيح. فإن قال: فيه قياس واستحسان وبه أقول، فلا يجوز له الممانعة على القياس، وإن قال: فيه قياس واستحسان، وسكت، فإن اختارَ أصحابُه القياسَ صحت الممانعةُ، وإن اختاروا الاستحسانَ لا يصح، والله أعلم.
(١) هو أبو عبد الله محمد بن شجاع البغدادي الحنفي، المعروف بابن الثلجي، عُرِف بالورع والتعبد، له كتاب في "المناسك"، توفيَ سنة (٢٦٦) هـ. انظر "سير أعلام النبلاء" ١٢/ ٣٧٩، و"الوافي بالوفيات" ٣/ ١٤٨، و"الفوائد البهية":١٧١.