للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول الحنفي: إنما رجمهما بحُكمِ التوراةِ، فإنه أمرَ بإحْضارِ التوارة، ثم عمل بذلك، وشرعُنا قد نسخ حكمَ التوراةِ.

فالجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يَثِقُ بنقلِ هذهِ التوراةِ، لما تطرق عليها من التبديلِ والتغيير، وإدخالِ كلامٍ غيرِ كلام اللهِ فيها، وفيها العجائبُ، وكم حوادثَ طَرأَتْ فاستأصلت ما كان منها، فأعادُوا تَسْطِيرَ ما تَلَقَّفُوه من الرِّجالِ، فهذا يمنعُ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يعملَ بحكمها في الجملةِ، لا شَرْعاً لموسى، ولا شرعاً له مُوافقة لموسى، ومتابعةً بحكم نَقْلِها، لم يَبْقَ إلا أنه عَلِمَ ذلك بطريقِ مِثْلِه، وهو الوَحْيُ المعصومَ عن الزيادةِ والنُقْصانِ، وكيف يجوزُ أن يُظَن بأنه يقيمُ حداً، ويتلفُ نَفْساً بحكم لم يَثْبُتْ أنه شرع الله سبحانه بطريقِهِ الذي يثبتُ الشرع بمِثْلِهِ؟ وهل يجوزُ أن يَفْعَلَ فيهم إلا ما يفعلُه فينا بما شَرَعَ الله له، مع قول الله سبحانه له: {وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهم بما أَنّزَلَ الله} [المائدة: ٤٩]؟ وإنما اسْتَدْعا بالتَوْراةِ، ووافَقَهم على كذبِهم حيثُ قالوا: إن عقوبةَ الزَّاني (١) التَّحْمِيمُ (٢) لِيُبَيِّنَ كذبهم فيما أخْبَروا به، وفيما كَتَمُوهُ من ذِكْرِهِ صلى الله عليه في التوراة.


=عبد الله بن عمر.
وقد رويت قصة رجمهما أيضاً عن غيره من الصحابة، وفي بعضها: أنهما كانا محصنين. انظر "فتح الباري" للحافظ ابن حجر ١٢/ ١٦٧ - ١٦٩.
(١) في الأصل: "الزان".
(٢) في" اللسان" (حمم): حمَّم الرجلَ: سَخم وجْهَه بالحُمَم، وهو الفحم، وفي حديث الرجْم: أنه أمر بيهودي مُحَمم مَجْلود، أي مُسْوَدّ الوجه، من الحُمَمَة وهي الفَحْمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>