للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَعْضُ أهل الجَدَلِ قال: إنْ وُجِدَ مع العِلةِ شريكَ وجَبَ أن لا يُحْكَمٍ بكونِها علةً حتى تَدُل على أن الحُكْمَ وجِدَ لأجْلِ تلك العِلةِ خاصة، وأنه زال لزوالِها خاصةً، وذلك مثل أن يَدعيَ مَنْ مَنَعَ تَعْليلَ الخَمْرِ بأن التحريمَ مَنَعَ الاسمَ، لأن العصيرَ اذا حدثَتْ فيه الشدةُ المُطْرِبَةُ سُمي خَمْراً، فإذا زالت زالَ الاسمُ، فَتَبَين أن التحريمَ يَتْبَعُ الاسمَ، فيحتاجُ الشافعي أو الحنبلي أن يُوضِّحَ أن التحريمَ تَبعَ الشِّدَّةَ دون الاسمِ، وزال بزوالِ الشدةِ دون الاسمِ، ويدلى على ذلك بأنه إذا طُبِخَ زال عنه اسمُ الخَمْرِ، والتحريمُ باقٍ لبقاءِ الشدةِ المُطْرِبَةِ.

فصل

ومن ذلك أن يَبْطُلَ ما سِوى العِلةِ المذكورةِ في الأصْلِ، فتصح العِلةُ المذكورةُ؛ لأن الأصْل إذا كان مُعَللًا فبَطَلتِ العِلَلُ التي يَنْتهي إليها التقسيم سوى واحدةٍ، دل على أن التي لم تبطُلْ هي عِلتُهُ.

مثالُ ذلك: أن يَدعيَ أن العلَّةَ في الأعيانِ المنصوص على تحريمِ التفاضل فيها، وهي البُر والشَعيرُ والتَّمْرُ والمِلْحُ الطعْمُ (١)، فإذا بَطَلَ ما سوى الطُّعْمِ من الكَيْلِ والقُوتِ والطعْمِ والكَيْلِ معاً صح أن العِلةَ للطعْمِ، فإنْ كان خَصْمُهُ يذهبُ إلى أن العِلةَ الكَيْلُ فإذا أبْطَلَ عِلةَ خَصْمِهِ خاصةً ثبتت عِلتُه، وكان في مُوافقةِ خَصْمِهِ له على إبْطالِ ما سوى عِلتَيْهما غِنىً عن التكلفِ لإسقاطِ ما عداهما، لأن تعاطي الدلالةِ على مَوْضعِ الاتفاقِ قَطْع لِلْوَقْتِ وتَضييع للكلامِ.


(١) انظر "رحمة الأمة": ٢٧٤ و"المغني" لابن قدامة ٤/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>