للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال المُعترضُ: لا تأثيرَ لقولِك: "بصنعةٍ"، في الأصل؛ لأنه لا يطهرُ بصنعِة آدمي ولا بغيرِ ذلك، فقد اختلف الناسُ في ذلك، فقال بعضُ أهل الجدلِ وبعضُ أصحاب الشافعيُّ: إِنَّ هذا ليس بسُؤالٍ صحيحٍ؛ لان التأثيرَ لا يطالبُ به في الحُكْمِ، وإِنما يُطلبُ في العِلةِ.

ومنهم مَنْ يقولُ: إن الحُكْمَ إِنما هو عدمُ الطهارةِ، وتعلُّقُ ذلك بالصنْعَةِ من تمام العلَّةِ، فيجبُ بيانُ تأثيرِه، وهذا أصح؛ لأنَ تَفْصيحَ هذا: أنَ الحُكْمَ إذَا أَدْرِجَ فيه حُكْم حَسُنَ أن يُوردَ عليه ما يُورد على الأوصافِ المُخَلصةِ من الأحكامِ، وما ذلك إلّا بمثابةِ ما سمِعْناه من الخُراسانيين كثيراً، وهو قولُهم في وصْفِ العِلَّةِ: هذا عَيْنُ سؤالي، فأين دليلُك؟ أو: هذا دليلُك، فأين المسْالةُ؟

مِثالُ ذلك: قولُ المُسْتَدل على تحريم النَّبيذ: شَرابٌ فيه شدةٌ مطرِبةٌ فكان مُحرماً كالخَمْرِ (١).

فيقول: إنَّما سألْتُكَ عن هذا الشراب الذي فيه شِدَةٌ مُطْرِبَةٌ، فأتَيْتَ بَنْفسِ ما سَألْتُكَ عن حُكْمِهِ والدلالةَ عليه، فَجَعَلْتَهُ دليلاً.

فالجوابُ أنَّ يقولَ: إِنك ليس من حيثُ أتيتَ بما يَصلُحُ أن يكونَ دلالةً فأدْرجْتَهُ في سؤالِك يمنعني ذلك من تعلقي بالاستدلالِ به، لأنه لو مَنَع ذلك من الاستدلالِ لكان للسائِل أن يَمنعَ المُستدِل الاستدلالَ، فإنه يمكنهُ أن ينطقَ بكل صالح للاستدلالِ به في اثناءِ سؤالهِ، فإِذا منعه ذلك من الاستدلالِ به امتنع عليه الدليلُ وانسدَّ عليه طريقُ التعليلِ، حتى إِذا قال له: هل تحسنُ عقوبةُ المسيء؟ فيقول:


(١) "المغني" ٨/ ٢٢٠، و"المحلّى" ٧/ ٥٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>