للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوبُ النيةِ في التيممِ علةً لوجوبِها في الوضوء؛ لأنَه يؤدي إِلى أن تتأخرَ العلَّةُ عن الحكمِ، والأصلُ عن الفَرْع، وهذا لا يجوزُ.

والجوابُ: أَنّا لم نَجْعَل التيمُّمَ عِلَّةً لوجوبِ النيَّهِ في الوضوءِ وإنَّما جعلناه دليلاً، فقُلنا: لمَا أوْجَبَ الله تعالى التيممَ بعد الوضوء وأوجَبَ فيه النية، وهو بَدَلٌ عَنْهُ وقائمٌ مقامَهُ، دلنا ذلك على أن النيةَ واجبةٌ في الوضوءِ، لأنَه الأصْل، إذ البَدَل لا يُفارق [المُبْدَلَ] (١) في باب النيةِ في الأصول، بدليلِ الكفاراتِ إثباتاً والعِدَدِ سَلْباً، وهذا مِنْ طريقِ الدَلالةِ، والدَلالةُ يجوز تأخُّرها عن المَدْلولِ، فَيضمنها الله دلالةً على السابقِ لها في الوجودِ، وهذا كما ضَمَن المحْدَثاتِ دلائلَ دلتْ على محْدِثِها وصانِعها، فدلت المحدثات على القديمِ سبحانه. واستدللنا بالمُعْجزِ المتاخِّرِ على نبؤَةٍ سابقةٍ تثبتُ بمُعْجزٍ قَبْلَ المُعجزِ الثاني والثالثِ.

ومما الحقوه وأضافوه إِلى فسادِ الاعتبارِ: أنَه لا يجوزُ الاستدلالُ بنَفي وقوع الطلاقِ في النكاحِ الموقوفِ على نَفْيِ أصلِ النكاحِ، وقد سَبَقَ الكلامُ عليه.

ومما أضافوه أيضاً أن قالوا: لا يجوز أن يعَلقَ الحكْمَ على معنى مُتَوهمٍ، كاستدلالِ الشافعيِّ في نكاحِ المسلمِ الأمةَ اليهوديةَ: أَن هذا يؤدي إِلى أن يسترق الكافرُ ولَدة منها (٢)، فقالوا: الاسترقاقُ معنىً مُتَوهَّمٌ، فلا يجوزُ إبطال العَقْدِ بسَبَبِهِ.

والجوابُ: أنَّ الولدَ مِنْ مقاصدِ النكاحِ، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -:


(١) زيادة يقتضيها السياق، وانظر "المعونة في الجدل": ١١٥.
(٢) انظر "المغني" ٩/ ٥٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>