للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل يجوزُ أنَّ تُذْكَرَ عِلةٌ في الأصْلِ ويُذكَرَ في الفرع علَّةُ أخرى (١).

وذكر بعضُهم: أَنه متى لم يعكِسْها في الفَرعِ، لم يحصل الفَرْقُ، لأنَه يمكنه أنَّ يقولَ بعلة الأصل وليس، ما اعتبره هذا القائلُ صحيحاً، لَأنَّ علةَ الَأصْلِ لا بُدَّ أَن يَحْصُلَ بها الفَرْقُ، لأَنها غيْر موجودةٍ في الفَرْعِ، ويكفي عَدَمُ وجودِها في الفَرْع، لأَن يَخْرُجُ بعدَمِ وجودِها أنَّ يكون فَرْعاً، وأَن يكون مُعَلِّلاً بما يَحْصُلُ به العَكْسُ، وهو إذا ذكر علَّة في الفَرْعِ وليست موجودةً في الأصْل فقد خَرَج أنَّ يكون فرْعاً، فصار بذلك فرْقاً صحيحاً. فلا وجْهَ للمطَالبة بالعَكْسِ، وقد حصل الفَرْقَ بما ذكَرْنا مع عَدمِ العَكْسِ. وأما قولُه: أَنَّه يُمكنه القولُ بها في الأصل، فليسٍ بصحيح؛ لأن علةَ الأصلِ التي لم يعكسْها يجوزُ أَن تكون مُنْتَقَضَة على أَصْلِ المعللِ، لأنها تتعدى إلى فُروعٍ لا يقول بها، وإِنما يصح ذلك في العلَّةِ الواقِفةِ، ولأن علَّةُ المُعارِض لا بُدَّ أن تكون مُنعكسة على أصْلِهِ، وإنما في الفَرْع يُعْدَلُ عن ذلكَ، لأن المستدل لا يُسَلَمُ له حصول العكس في الفَرْع، وذلك يكونُ في العلَّةِ إذا كانت حُكْماً أوْ صِفةً شرعيَّةً، مثل أن يُعَللَ أصحابُ أبي حنيفة طهارةَ جِلْدِ الكَلْبِ بالدَباعِ: بأنَّه حيوانٌ يجوزُ الانتفاعُ به حال حياتِه، فطَهُرَ جِلْدُهُ بالدباغ، كالفَهدِ.

فيقول الشافعيُّ: المعنى في الفَهْدِ أنه يجوز بَيْعُهُ حال حياتهِ ولا يُغْسَلُ الإناءُ مِنْ ولوغهِ عَدَداً، ويُقْتنى إعجاباً به واستحساناً له لا لأجْلِ الحاجةِ إليه، وليس كذلك الكلب، لأَنَّه نَجِسُ العَيْنِ لا يجوزُ بَيْعُهُ،


(١) "التمهيد"٤/ ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>