للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النافيَ إذا ادَّعى العِلْمَ بانتفاءِ ما نَفاهُ، لَزِمَهُ إقامةُ الحُجةِ والدليلِ عليه، كما يَلْزَمُ المدَّعى العِلْمَ لإِثباتِ ما أثْبتَهُ الحُجَّةُ والدليلُ، إذا كان الأمرُ المثُبَتُ والمنْفِى المُختلَفُ فيه مما لا يُعلمُ نفيُه وإثباتُه باضْطِرارٍ ودَرْكِ الحواسِّ، فإِنَ ما ثَبَتَ باضْطِرارٍ مِن نفيٍ أو إثباتٍ نَمنَعُ (١) المُطالبةَ بالدليلِ عليه، والتعرُّضَ لإِقامةِ الدليلَّ عليه؛ إِذ كان الدليلُ هو المُرشِدَ إلى المطلوب، وما عُلِمَ باضْطِرارٍ فقد تَحصَّلَ، فمُحالٌ أن يُرشِدَ إلى ما تَحصَلَ، كما أن من المُحَّالِ طَلَبُ ما قد ظُفِر بهِ وتَحصَّلَ.

والدَلالة على ما ذَهَبَ إليه المحُقَقون -وهو ما نَعْتَقِدُهُ-: أن التوحيدَ مما أجْمَعَ المسلمون على وجوب الدَلالةِ عليه حسَبَ ما أجْمعُوا على إِثباتِ الصانعِ، وحقيقةُ (٢) التَوحيدِ: نَفْيُ ما زادَ على الواحدِ في قِدَمهِ وصُنعِهِ، وكونُه لا يُشْبِهُ الأشياءَ، [وهو] (٣) نفى للمِثْلِ.

والدَلالةُ على ذلك، وقد اسْتدَلَّ الباري عليه بقولِه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢]، {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢)} [الإسراء: ٤٢]، ولأنَّ النَافِي لِمَا نَفاهُ لا يَخْلو من أحدِ أمريْنِ: إمّا أن يدعى العِلمَ بما نَفاهُ، أو لا


= و"المستصفى"١/ ٢٣٢.
وفي المسألة مذاهب أخرى: انظرها في "البحر المحيط" ٦/ ٣٢ - ٣٤.
(١) في الأصل: "نفتح".
(٢) تحرفت في الأصل إلى: "ودقيقة".
(٣) ليست في المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>