للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه البحثُ الذي هو علاجُ ما عرضَ أو تأصلَ مِنَ الجهلِ.

وإن كان النافي مِمن يَدعي العِلْمَ بصِحةِ ما نَفاهُ، تَطرقَ لنا عليه أنَّ نقولَ: من أين غلبَ نفيُ ما نَفيْتَهُ؟ أباضْطِرارٍ أم باسْتدلالٍ؟ فإن ادَّعى الضرِورةَ وكان ذلك الأمرُ مِمّا نَشْرَكُه فيه، سقطَ الاستدلالُ، وإن لم نشْرَكْهُ فيه مع دَعْواهُ الضرورةَ، كان عندنا أحدَ رجلين:

إمَّا أن يكونَ صادقاً فيما أخْبَرَ لآفَةٍ دَخَلَتْ عليه، كمن تَدخُلُ عليه الأفةُ في الِإثبات لأشكالٍ يراها مُتخيلَةً له، ولا نَشْرَكُهُ فيها لعدمِ ما عَرَضَ له في أمْزِجَتِنا؛ فإن في الأمراض ما يُشَكلُ الأشْخاصَ ولا أشْخاصَ، كذلك في باب النَفْي.

وإنِ ادَّعى أن ذلك عَلِمهُ بطريق الاستدلالِ، طُولِبَ بالدلالةِ بالأدلةِ عليه؛ لأن كلُّ معلوم بالاستدلالِ إنما يُعْلَمُ بدليل، فالدليلُ الذي نَصَبَهُ لنفسهِ في النفيً يجِبُ أن يُقيمَه لنا إذا طالَبْناهُ.

فإِن قيل: أليس المُنكِرُ لما كان نافياً لم تَلْزَمْهُ البينه، والمدعى لما كان مُثبِتاً لَزِمَتْهُ؟

قيل: المُنكرُ أسندَ إلى أصل هي أدلة العقلِ على براءةِ الذمَمِ، على أنه ما أخْلاهُ الشرعُ من بينةٍ هي يَمِينهُ، وإلا فقد كان يَكْفِي قولُه في جواب المُدَعِي وقولُه [فيما] (١) اسْتَحَق عليه: بأنه (٢) ما يَسْتَحِقُّ على شيئاً. والله أعلم.


(١) ليست في الأصل.
(٢) في الأصل: "فإنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>