للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل (١)

وقد نص أحمدُ -رضي الله عنهُ- على كَوْنِ بعضِ القُرآنِ مَجازاً، فقال في قولِه: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥)} [الشعراء: ١٥]: هذا في مجازِ اللُغَةِ، فقد أعطى هذا القولُ منه تأويلَ ما أضافه إلى نفسِهِ سبحانه من كونه مع خلقِه، وأَنّه بعلمهِ لا بذاتِه، وقال أيضاً في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]: بعلمه، وهذا يُعطي التأويلَ والمجازَ.

وقد تعاطى قومٌ من الرَّافِضَةِ وأَهلِ الظَّاهرِ تنزيهَ القرآنِ من المجازِ، وزعموا أَنَ جميعهَ حقيقةٌ، وأَن الذينَ ذهبوا إلى القولِ بالمجازِ ضاقتْ عليهم طُرُقُ الحقيقةِ، وخفِيتْ عليهم الحقائقُ لجَهْلِهِم بها، وأَخذوا في بيانِ كلِّ آيةٍ وأنها حقيقةٌ مع عدمِ حذفِ التقديرِ، وعدمِ حذفِ الزيادة والنُّقصانِ، وأَخذوا في إعطاءِ كلِّ آيةٍ حقيقتَها، وذهبَ إليه بعضُ أَصحابنا، فقالوا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} لا تحتاجُ أَنْ تُحْمَلَ على أهلِها، بل القريةُ في الأَصلِ هو المجمعُ مِن الناسِ، لأَنَّ الِإقراءَ، والاقتراءَ والقروءَ والقراءةَ والقرآنَ كلُّ ذلك اسمٌ للجمع، تقولُ العرب: مَا قَرَأتِ النَاقَةُ سَلاً قطُّ، يريدون مَا جمعتْ في رحمها جنيناً قط، وقَرَأتُ الماءَ في الحَوضِ، يريدُ به جمعته، و {فَإذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: ١٨] جَمَعْناهُ، فإذا ثبتَ هذا كانت القريةُ مَجْمَعَ النَّاسِ، والسؤالُ لجماعةِ النَّاسِ سؤال لحقيقةٍ هي القريةُ، فأَمَّا أَنْ يكونَ المرادُ بالقريةِ الجدارَ، ويُحملُ السؤالُ على أهلِ ذلك الجدارِ، فلا.

وقولُه: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ وهو أَنَ العجلَ حَرقَهُ ونَسَفَهُ موسى في اليمِّ نَسْفَاً، فكان عُبادُهُ يأخذونَ سُحَالَة (٢) العجلِ مع الماءِ


(١) انظر "العدة" ٣/ ٦٩٥، و"التمهيد" لأبي الخطاب ١/ ٨٠.
(٢) ما سقط من الذهبِ والفضةِ إذا بُرِدَ، انظر "لسان العرب": (سَحَل).

<<  <  ج: ص:  >  >>