للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوعِ، ليس بمحرَّمٍ بالقياسِ عند أهلِ الشرعِ، فكذلك يجبُ أنْ لا نجعل إشارةَ أهلِ اللُّغة إلى أعيانِ هذه المُسَمَّياتِ بأسمائِها، التي وضعوها لها، اسمَ تخصيص لها، حتى يحتاجَ مَنْ بَعْدَهُمْ إلى وضْعِ أسمائها لأمثالها قياساً، بل الإشارة منهم إذنٌ منهم وتنصيصٌ على الوضع لأسمِائها.

قيل: هذه دَعوى وتشبيهٌ بمجردِها، وإلا فأينَ النقلُ عنهم، المُقتضي للوضعِ أنْ يكونَ للنوع كلِه؟ وليس إشارةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الذهبةِ والحريرةِ من هذا بشيء، لأنَّ القرينةَ دَلّتْ على أنه أرادَ النوْعَ، إذ ليس في الحريرة ما يَعُم ذكورَ أمتِهِ وإناثِها، ولا في الذهبةِ، فَضِيقُ المُشَار إليهما عن الحُكمِ، قرينةٌ دَلتْ على أنَّ المنهيَّ عنه متسعٌ لكلِ ذكورِ أُمتِه، والإباحةُ لكل إناثِها، ولا يتسعُ كذلك، إلا النَوعُ كله دُوْنَ الذهبةِ والحريرةِ، اللتين أشارَ إليهما بالحُكْمَيْنِ: الإِباحَةِ لقبيل الإناثِ، والتحم يمِ لقبيلِ الذكورِ.

ومما اسْتدَل به مَنْ جَوزَ إثباتَها بالقياسِ؛ أنَّ أهلَ العربيةِ -وهم النحاةُ- جعلوا كلَّ فاعل مرفوعاً، وكل مفعولٍ به منصوباً، ولم يستندوا إلى نقلٍ عن العرب، أنَّها نطقت بذلك، لكن عَرَفُوا ذلك بالقياسِ والاستدلالِ، وذلك أنهم لما رأوهم استمروا على الرفع لكلِ فاعلٍ، والنصب لكلِّ مفعولٍ، جعلوا ذلك عِلَّةً، فقالوا: إنما رفعوا الفاعلَ لكونهِ فاعلاً، ونصبوا المفعولَ لكونهِ مفعولاً، فحمَلوا عليه كلَّ فاعلٍ ومفعولٍ، وإن لم يكْن مما نطقت به العربُ من اللغات المحْدَثَة، وكذلك فَعَلُوا في جميعِ وجوهِ الِإعرابِ من جرِّ المُضافِ [إليه]، والنَصبِ بالحال، والتمييز وما شاكَلَ ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>