مِن التشاكلِ في المعنى، كما لم يمنعْنا مثل ذلك من وضع الشرْعَ، مِن أنْ نقيسَ مهما وجدنا للقياسِ مَسَاغَاً.
وهذا المَسْلَكُ مسلكُ أهلِ الظَّاهِرِ من منْعِ القياس، حيثُ قالوا: إنا رأينا الشرعَ خالفَ بَيْنَ الأحكام في المتساوياتِ، كَميتةِ السمكِ والجرادِ، وميتةِ الأنعام والطيورِ كلَّهَا، فالموتُ سواءٌ بين الجميعِ، وجَعَلَ حُكْمَ السمكِ وَالجرادِ الإباحةَ، وحُكْمَ سائرِ الميتةِ الحَظْرَ.
فكذلك خالف بين حكم الكبدِ والطِّحالِ، وسائرِ الدماء، فأباحَ وطَهرَ الكبدَ والطحالَ، وحَرمَ ونَجسَ سائرَ الدماء وعند بعض الفقهاءِ القائسينَ جعل بعضَ الدم طاهراً، وهو دمُ السمكِ، ومأكولًا إلحاقاً بالكبدِ، وسائر دماءِ الحيوَانِ نجسة، وحَرمَ قتلَ الصيودِ في الحَرَم وجعلَ إراقةَ دَمِ بهيمةِ الأنعامِ قُرْبةً إلى الله سبحانه في الحَرَمِ.
ولم يمنعْنا ذلك من القياس، كما مَنَعَ أهل الظاهرِ، بل جرينا عليهِ في سائرِ المُتشاكلاتِ في العللِ، فجعلنا حكمَ المتشاكلين واحداً،
كذلك لا يَمْنَعنا وصفهُمِ للفرسِ الجامعِ بَيْنَ السوادِ والبياضِ أبلق، والغُراب أبْقعَ، من أن نضَعَ للمُسكِرِ من النبيذِ خمراً، كالمُسْكِرِ من عصيرِ العَنب، وكان هذا لمعنى؛ وذلك أن للشرعِ وواضعِ الأسماءِ التحكمً، ولا يمنعُنا جوازُ تَحكُّمهِ من أن نَعْملَ بمقتضى العقولِ فيما لم يَتحكمْ فيه.
والثالثُ. قولُهم: لو جازَ إِثباتُ المشتقةِ [به] جازَ إثباتُ الألقابِ به، لا يَلْزَمُ؛ لأن الألقابَ لا تتضمنُ المعاني، فليس فيها شيءٌ يُلْحَقُ به غيرُها بها، فلو سَمَّينَا مَن ليس اسمهُ زيدٌ بزيدٍ، لأجلِ تَسْميَتهِم ذلك