للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى ذلك الأسماءَ التي وضعهَا غيرُ أهلِ اللُّغةِ من العلماءِ لضروب المُسَمَياتِ المعلوماتِ، وأهلُ الصنائع لأدَوَاتِهم التي قَد حَتْها قرائِحهُمَ لأعمالِهم، وما جدَّده أهلُ الحِرَفِ والمِهَنِ، لأن ما يَضَعُونَه من ذلك بمثابةِ ما يضعُه أهلُ اللغةِ من الأسماءِ، فما بال هذا الوضحِ لحوائج هؤلاءِ وأغراضِهم، سُمَّيتْ عُرفيةً، وما وَضَعَه أهلُ اللغةِ لأغراضِهم لم تُسَم عُرفيةً؟ وللجَميعِ عُرف، ووضع بحَسبهِ وحسب داوعيهِ وأغراضهِ، وهَلَأ انقلبَ فكان ذلك عُرفياً وهذا لغوياً، أو كانَ الجميعُ عرفياً؟!

ولا يجوزُ أنْ يكونَ معنى العُرفِ أنه المنقولُ من غيرهِ، فذاك هو المجازُ، وهو باسمِ المجَازِ أحقُّ وأخصُّ منهُ باسمِ العُرف.

فإن قيل: فما الدَّاعي للعرب إلى أنْ جاءت إلى أسماءٍ وُضِعَت في لُغتهم للعموم، جعلوها بكثرةِ الاستعمالِ للخصُوصِ، والعاقلُ لا يُغَيرُ وضْعاً أصَلياً لغيرِ ضرورةٍ ولا حاجةٍ ولا داعِ معقولٍ، فأوجدوا ذلك المعنى؟.

قيل: إمَّا أن الوجودَ أغنانا عن تَكَلفِ ذِكْرِ الدواعي، والقومُ قد استعملوا على ما نقلنا عنهم، وغَلبُوا الاسمَ للبعضِ مما شَمِلَه الاسمُ الكلى العام، وإنْ تكلفنا ذلك، فقد يجوزُ أن يكونوا استهجنوا قولَهم: وَطْئاً وجِمَاعاً، واسمَ ذلك الفعلٍ، فقالوا في الجماعِ: مَسيساً، وإن كان اسماً عاماً لكلِ تلاقي بَشرَتيْنِ، وقد أشارَ ابنُ عَبَّاس إلى ذلك حيثُ قال: إنَّ الله حَيِيٌّ كريمٌ يَكْنِي، ومما كَنَى أن كنى عن الجِماع باللمْسِ (١). وتنكَّبوا عن ذِكرِ الحَدَثِ إلى المكانِ، فقالوا: الغائِط


(١) أخرجه عبد الرزاق (٥٠٤)، والطبري (٩٥٨١) والبيهقي ١/ ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>