للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٥].

ولأنَّه تحدَّاهم بِه، فقالَ لهم: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣]، فلو كان فيه أعجميٌ لما قَطَعَ حُجتَهم في كذبِهم؛ لأَنَّه يكون تحدياً لهم بما ليس من صناعتِهم.

ولَأنَ القومَ كانوا اتَهموه بأَنَه يَتَلَقَّفُ ذلك من يسار (١)، وكان أعجمياً حتى نفى ذلك عنه بقولِه: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)} [النحل: ١٠٣]، فلو كانت فيه ألفاظٌ أعجميةٌ، أو بغير العربيةِ، لكان تقويةً لتهمتِهم لهُ، وقد نفَى عنهُ الاختلاطَ بالعجُمةِ؛ ليصرفَ عنه قولهم: لقالوا: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} كمانفى عنه الكِتابةَ، وقال سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} [العنكبوت: ٤٨] ولا ريبَةَ أقوى من تخَلْطِهِ بغيرِ العربيةِ، مع تُهْمَتِهم له بأَنه تَلَقَّفَه ممَّن ليس بعربيٍ، وكان تعريضاً لتهمةٍ أخرى، وهو أَنّهم كانوا يجعلونَ ما فيه من العجميةِ، سبيلاً إلى جحدِ كثيرٍ من كلماتٍ عربيةٍ، ويقولون: ليس بعربي، وإِنَّما هو كلامٌ مُخْتَلطٌ، منقول، وأنتَ تَزْعُمُ أنه بِلُغَتِنَا، فَدعواكَ لا تطابقهُ، ومَنْ نفى عنه الشُّبهةَ لا يُعَرضهُ للشُبهةِ.


(١) وهو غلم نصراني من أهل عين التمر، كان يقرأ كتباً له بلسانه، فزعمَ كفارُ قريش أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلَّمَ منه، ومن غُلامٍ آخر اسمه جَبر، فأنزل اللهُ سبحانه ما يُبطل دعواهم، وبكشفُ أباطيلهم: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} انظر "تفسير الطبري" ٨/ ١٧٨، و"أسباب النزول" للنيسابوري ص (١٩٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>