للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَب إليه مَنْ يطلبها منهُ، فقال للرَّسُول: سَمْعًا وطاعةً للأمِيْر، تُقِيم عندنا هذه الأيَّام حتَّى نَقْضِي شُغْلك، ثمّ أمرَ مَنْ يَقْرأ عليه كتاب الجَمْهَرَة، فقُرئت عليه حتَّى فرغت، ثمّ دَفَعَها إلى الرَّسُول، وقال: ما قصَدْتُ بذلك إلَّا بأنْ أُمرهَا على خَاطِري خَوْفًا من أنْ يكُون قد شَذَّ منها شيء عن خاطِري، فعادَ الرَّسُول بها وأخْبَر أمير حَلَب بذلك، فقال: مَنْ يكون هذا حاله لا يجوز أنْ يُؤْخَذَ منه هذا الكتاب، وأمَرَ برَدِّهِ إليه.

قُلْتُ: وكان أبو العَلَاء قد سَمِعَ الجَمْهَرَة من أبيهِ أبي مُحَمَّد عبد اللهِ، وسَمِعَها أبوه من أبي عبد الله الحُسَين بن خَالَوَيْه ورَوَاها أبو عَبْد الله عن ابن دُرَيْد الأزْدِيّ.

وسَمِعْتُ أبا المَعَالِي قاضي المَعَرَّة يقول (١): سَمِعْتُ جَمَاعَةً من أهلنا يقُولونَ: كان الشَّيْخ أبو العَلَاء مُتَوَقِّد الخَاطِر على غايةٍ من الذَّكَاء من صِغَره، وتحدَّث النَّاسُ عنه بذلك، وهو إذ ذاكَ صَبيٌّ صغيرٌ، فكان النَّاس يأتُونَ إليه ليُشَاهدوا منه ذلك، فخرَجَ جَمَاعَة من أهل حَلَب إلى نَاحِيَةِ مَعَرَّة النُّعْمَان وقصَدُوا أنْ يُشَاهدُوا أبا العَلَاء، فدخلُوا إلى مَعَرَّة النُّعْمَان وسألُوا عنه، فقيل لهم: هو يلعَبُ مع الصِّبْيَان، فجاءوا إليه وسَلَّمُوا عليه، فرَدَّ عليهم السَّلام، فقيل له: إنَّ هؤلاء جَمَاعَةٌ من أكَابِر حَلَب جاءُوا ليَنْظرُوك ويَمْتحنُوك، فقال لهم: هل لكم في المُقَافَاة؟ فقالوا: نعم، فجَعَل كُلّ واحدٍ منهم يُنْشد بَيْتًا وهو يُقافيهِ حتَّى فرغ مَحْفُوظهُم بأجْمَعهم وقَهَرَهُم، فقال لهم: أعَجِزْتُم أنْ يَعْمَل كُلّ واحدٍ منكم بَيْتًا يُقَافي به عند الحاجَة؟ فقالوا له: فافْعَل أنتَ ذلك، فجَعَل يُجِيبُ كُلّ واحدٍ منهم من نَظْمه في مُقَابلة ما أنْشَده حتَّى قهَرَهُم، فعجبُوا منه وانْصَرَفُوا.


(١) هو أحمد بن مدرك، المسند عنه في الرواية قبله، وانظر كلامه في الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) ٤: ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>