للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: حَسَدني قَوْمٌ فكذَبُوا عليَّ وأسَاءُوا إليَّ، فقُلتُ لَهُ: على ماذا حَسَدُوك وقد تَرَكْتَ لهم الدُّنْيا والآخرة؟! فقال: والآخَرةُ أيُّها الشَّيْخ؟ قُلتُ: أيّ واللهِ، ثمّ قُلتُ له: لِمَ تَمْتَنِع من أكل اللَّحْم وتلُوْم مَنْ يَأكُله؟ فقال: رَحْمَة منِّي للحَيَوَان، قُلتُ: لا بل تقول إنَّهُ من شَرِّ النَّاس، فلَعَمْري إنَّهم يجدونَ ما يَأكُلون ويتجزَّونَ به عن اللُّحْمان ويتعَوَّضُون، فما تَقُول في السِّبَاعِ والجَوَارِح الّتي خُلِقتْ لا غِذَاءَ لها غير لُحُوم النَّاس والبَهَائِم والطُّيُور ودِمَائها وعظامها، ولا طَعَام تَعْتاض به عنه ولا تَتَجزَّى به منها، حتَّى لم تخلص من ذلكَ حَشَرات الأرْض، فإنْ كان الخَالِق لها الّذي بقوله نحنُ، فما أنْتَ بأَرْأَفَ منه بخَلْقِه، ولا أحْكَم منه في تَدْبِيره، وإنْ كانت الطَّبَائِع المُحْدِثة لذاكَ على مَذْهَبِكَ، فما أنْتَ بأحْذَق منها، ولا أتْقَن صَنْعَةً، ولا أحْكَمَ عَمَلًا حتَّى تُعَطِّلها ويكون رأيُكَ وعَقْلُكَ أوْفَى منها وأرْجَح، وأنت من إنْجادِهَا غير مَحْسُوس عندها، فأَمْسَكَ.

قُلتُ: وهذا يَبْعُد وقُوعه من أبي نَصْر المَنَازِيّ؛ فإنَّهُ كان قَدمَ على أبي العَلَاء وحَكَى ما أخْبَرَنا به أبو القَاسِم بن روَاحَة عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: سَمِعْتُ أبا الحَسَن المُرَجَّى بن نَصْر الكَاتِب يقول: سَمِعْتُ خالي الوَزِير أبا نَصْر أحْمَد بن يُوسُف المَنَازِيّ يقول: بَعَثني نَصْرُ الدَّولَةِ أبو نَصْر أحْمَد بن مَرْوَان سَنَةً من مَيَّافَارقِين إلى مِصْرَ رَسُولًا، فدَخَلتُ مَعَرَّةَ النُّعْمَان، واجْتَمَعْتُ بأبي العَلَاءِ التَّنُوخِيّ، وجَرَتْ بيننا فَوَائِدُ، فقال أصْحَابُهُ فينا قَصَائد، ومن جُمْلتها هذه الأبْيَاتُ (١): [من البسيط]

تَجَمَّعَ العِلْمُ في شَخْصَيْن فاقْتَسَما … علي البَرِّيَّةِ شَطْرَيه وما عَدَلا

جَاءَا أَخْيَري زَمانٍ ما به لهما … مُماثِلٌ وَصَلَ الجِدَّ (a) الَّذي وَصَلا


(a) أعاد المؤلف ذكر الرواية والأبيات في ترجمة المنازي الآية، وفيها: الحَدَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>