للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَلكتُ بها نُسْخة، والمُؤيَّد في الدِّين ابْتدأه وقال: بلغَني عن سَيِّدنا الشَّيْخ بَيْتًا، وذَكَرَ البَيْت المَذْكُور، وقال: أنا ذلك المَرِيْض عَقْلًا ورأيًا، وقد أتَيتُك مُسْتَشْفِيًا، لِمَ امْتَنعت عن أكل اللَّحْم؟ فأجابه أبو العَلَاء أنَّ ذلك لرِقَّةٍ تأخُذه على الحَيَوَان، وأنَّ الّذي يَحْصل له من مِلْكه لا يَقُوم بسَعَة النَّفَقَة.

فأجابه بجَواب حَسَن، وقال بإنَّهُ قد تقدَّم إلى الوَالي بحَلَب أنْ يَحْمل إليهِ ما يقُوم بكِفَايَته، لا كما ذَكَرَ ابن الهَبَّارِيَّة بأنْ يُحْمل إلى حَلَب، وأنَّهُ وعدَ على الإسْلَام خَيْرًا من بَيْت المَال، فامْتَنع أبو العَلَاء عن قَبُول ما بَذَلَهُ له، وأجابَهُ عن كتابهِ بجَوابٍ حَسَن، فوَرَدَ جَواب المُؤيَّد في الدِّين يتضَمَّن الاعْتِذَار إليه عن تَكْليفه المُكَاتَبة في المَعْنَى المَذْكُور، وشَغل خاطِره، لا كما ذَكَرَ ابن الهَبَّارِيَّة.

وكذلك قَوْل ابن الهَبَّارِيَّة أنَّ أبا العَلَاء سمّ نفسَهُ فمات (١)، خطأٌ فَاحِشٌ من القَوْل؛ فإنَّ أبا العَلَاء ماتَ حَتْفَ أنفْه بمرضٍ أصَابَهُ، وَسَنَذْكُر ذلك إنْ شَاءَ اللّهُ في ذِكْر وَفاتِهِ.

قَرأتُ بخَطِّ أبي اليُسْر شَاكِر بن عبد اللّهِ بِن مُحَمَّد بن سُلَيمان، أو بخَطِّ أبيهِ أبي مُحَمَّد عبد اللّه، فإنَّ خَطَّيهما مُتَشابهان، في وَرقَة وَقَعَتْ إليَّ، ذكَرَ فيها شَيئًا من أحْوَال أبي العَلَاء، وقال فيها: إنَّ المُسْتَنْصِر باللّهِ صَاحب مِصْر بَذَل لهُ ما لبَيْت المَالِ بمَعَرَّة النُّعْمَان من الحَلَال، فلم يَقْبَل منه شيئًا، وقال (٢): [من السريع]

كأنَّما غانَةُ لي من غنىً … فعَدِّ عن مَعْدِنِ أُسْوَانِ

سِرْتُ برَغْمِي عن زَمانِ الصِّبي … يعْجلُني وقْتي وأكْوَاني

ضدّ (a) أبي الطَّيِّب لمَّا غدا … مُنْصَرفًا عن شعْب بَوَّانِ


(a) ياقوت والصفدي: صد.

<<  <  ج: ص:  >  >>