للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُعاني: وقد قال أبو العَلَاء أحْمَد بن سُلَيمان (a) مع تَحَذْلُقه ودَعْواه الطَّويلة العَريضَة، وشُهرته نفسَهُ (b) بالحِكْمة ومُظَاهرته (c): [من الكامل]

ونهيْتَ عن قَتْل النُّفُوس تعمُّدًا … وبعَثْتَ تَقْبضُهُا مع المَلَكَين

وزَعمْتَ أنّكَ في المعَادِ تُعِيْدُها … ما كان أغْنَاهَا عن الحالَيْن (d)

قال ابنُ الهَبَّارِيَّة: وهذا كلام مَجْنُون مَعْتُوه يَعْتَقدُ أنَّ القَتْلَ كالمَوْتِ، والمَوْتَ كالقَتْل، فلَيت هذا الجَاهِل الّذي حُرم الشّرعَ وبردَهُ، والحَقّ وحَلَاوتَهُ، والهُدَى ونُورَهُ، واليَقِيْنَ وراحتَهُ، لم يدَّعِ (e) ما هو بريءٌ منه، بعيدٌ عنه، ولم يَقُلْ: [من الطويل]

غَدَوْتَ مَرِيْض العَقْل والرَّأي فأْتني … لتُخْبرَ أنباء الأُمُور الصَّحائح

حتَّى سَلَّط اللّهُ عليهِ أبا نَصْر بن أبى عِمْران دَاعي الدُّعَاة بمِصْر، فقال: أنا ذلك المَرِيْض رأيًا وعَقْلًا، وقد أتيتُك (f) مُسْتَشْفيًا فاشْفني، وجَرَت بينهما مُكَاتَباتٌ كَثِيْرةٌ، وأمَرَ (g) بإحْضَاره حَلَبَ، ووَعَدَهُ على الإسْلَام خَيْرًا من بَيْت المَال، فلمَّا عَلِم أبو العَلَاء أنَّهُ يُحْمَل للقَتْل أو الإسْلَام سمّ نفسَهُ فماتَ.

وابن الهَبَّارِيَّة لا يُعْتَمد على ما ينقُله، وأبو نَصْر بن أبي عِمْران هو هِبَة اللّه بن مُوسَى المُؤيَّد في الدِّين، وكان اجْتمع بأبي العَلَاء بمَعَرَّة النُّعْمَان، وذَكَرنا فيما نَقَلَهُ ابنُ الزُّبَيْر بإسْنَاده أنَّهُ كانتْ بينَهُ وبين أبي العَلَاء صَدَاقَة ومُرَاسلَة، وذَكَرَ حكايته معَهُ.

وأمَّا الرَّسَائِل الّتي جَرَت بينَه وبين أبي العَلَاء؛ فإنَّني وَقَفتُ عليها،


(a) هكذا ورد في كتاب ابن الهبارية مسقطًا اسم أبيه عبد الله، فنقله ابن العديم كما وجده.
(b) ابن الهبارية: وما شهر به نفسه.
(c) ابن الهبارية: ومظاهرته بدعوى الحق.
(d) تجاوز ابن الهبارية عن إثبات البيت الثاني، وقال: "والبيت الثاني معروف".
(e) الأصل: يذع، والمثبت من كتاب ابن الهبارية وموافق لما نقله ياقوت: معجم الأدباء ١: ٣٣٩.
(f) ابن الهبارية: جئتك.
(g) ابن الهبارية: وأمر في آخرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>