للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيه، فعزَّاهُ الوَاسِطِيّ وبَكَى وبَكَتْ الجَمَاعَةُ، ثمّ أُحْضِر المُصْحَف، وقال الوَاسِطِيّ للعبَّاسِ: تُبايع أخاكَ؟ فقال العبَّاسُ: أبو الجَيْشِ فَديْتُه ابني ولَيْسَ يَسُومني هذا، ومن المحال أنْ يكونَ أحَدٌ أشْفَق عليهِ منِّي، فقال الوَاسِطِيّ: ما أصْلَحَتْكَ هذه المِحنَة (a)؛ أبو الجَيْشِ أميرُكَ وسَيِّدُكَ، ومَنْ اسْتَحقَّ بحُسْن طَاعته له التَّقَدُّمَ عليكَ. فلَم يُبَايع العبَّاس، فقام طَبَارْجِي وسَعْد الأَيْسَرُ فأخَذَا سَيْفَهُ ومَنْطقَتَهُ، وعَدَلا به إلى حُجْرَة من المَيْدَان، فلم يَخْرج منها إلَّا مَيِّتًا، وبَايَعَ النَّاسُ كُلُّهُم لأبي الجَيْشِ وأعْطَاهُم البَيْعَة، وأخْرَج مَالًا عَظيْمًا ففرَّقَهُ على الأوْلِيَاءِ وسَائر النَّاس، وصَحَّت البَيْعَة لأبي الجَيْش يَوْم الاثْنَين لاثنَتي عَشرة خَلَتْ من ذي القَعْدَة سَنَة سَبْعِين ومَائتَيْن.

قال: وهذا ما كَتَبَ به أبو عَبْد الله أحْمَدُ بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ الكَاتِب إلى أبي العبَّاس أحْمَد بن المُوَفَّق باللهِ، يَسْتَحثُّهُ على حَرْب أبي الجَيْش خُمَارَوَيْه بن أحْمَد بن طُوْلُون، والخُرُوج إليه قَبْل وَقْعَة الطَّوَاحِين بأيَّامٍ، وبعد انْصراف إسْحاق بن كُنْدَاجيق، ومُحَمَّد بن أبي السَّاج، وجَعْفَر بن بغَامَرْدِيّ (b) والعَسَاكِر معَهُ عنهُ (١): [من البسيط]

يا أيُّها المَلِكُ المَرْهُوبُ جَانِبُهُ … شَمِّرْ ذُيُولَ السُّرَى فالأمْرُ قد قَرُبا

كم ذا الجُلُوسُ ولم يَجْلِس عدوُّكم … عن النُّهُوضِ لقَد أصْبحتُم عَجَبَا

لا تَقْعُدنَّ على التَّفْريط مُعْتكفًا … واشْدُد فقَدْ قال جُلُّ النَّاسِ: قد رَهِبَا

ليْسَ المُرِيدُ لِمَا أصْبَحْتَ تَطْلُبُه … إلَّا المُشَمِّر عن سَاق وإنْ لَعبَا (c)

فإنْ نصبْتَ فعُقْبَى ما نَصَبْت لهُ … مُلْكٌ تُشَادُ مَعَاليهِ لمَنْ نَصَبا


(a) ابن عساكر: المحبة.
(b) قيَّده في هذا الموضع بالياء في أوله عوض الباء، ويرد فيما بعد في مواضع عديدة على النحو المثبت.
(c) كذا في الأصل ومثله في كتاب الولاة وترد فيما بعد بالغين المعجمة، واللَّغب: التعب والإعياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>