للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورَجَع أبو بَكْر إلى المَدِينَةِ، ومَضَى خَالِد بن الوَلِيد ومعه أهْلُ السَّابِقَة من المُهاجِرين والأنْصَارِ، فأوْقعَ بأَهْلِ الرِّدَّةِ من بَنِي تَمِيْم وغيرهم بالبِّطَاح وقَتَلَ مَالِك بن نُوَيْرَة، ثمّ أوْقَعَ بأهْلِ بُزَاخَةَ، وحَرقَهُم بالنَّارِ، وذلك أنَّهُ بلغَهُم عنهم مَقَالَةٌ سَيِّئةٌ، وشَتَمُوا النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وثَبتُوا على ردَّتِهِم، ثمّ مَضَى إلى اليَمَامَةِ، فقاتَل بها مُسَيْلِمَة وبَنِي حَنِيْفَة، حتَّى قتل مُسَيْلِمَة وصَالَح خَالِدٌ أهل اليَمَامَةِ على الصَّفْرَاءِ والبَيْضَاء والحَلْقَة (a) والكُرَاع ونصف السَّبْي، وكَتَبَ إلى أبي بَكْر: إنِّي لَم أُصَالحهم حتَّى قُتِلَ مَنْ كُنْت أقْوَى به، وحتَّى عَجِفَ الكُرَاع، ونَهك الخُفّ، ونَهك المُسْلمُونَ بالقَتْلِ والجرَاح.

وقَدِمَ خَالِد بن الوَلِيد المَدِينَة من اليَمَامَةِ ومعه سَبْعَة عَشر رَجُلًا من وَفْد بني حَنِيْفَة فيهم مُجَّاعَة بن مُرَارَة وإخوته، فلمَّا دَخَلَ خَالِد بن الوَلِيد المَدِينَة دَخَل المَسْجِدَ وعليه قَبَاءٌ عليه صَدَأُ الحَدِيْدِ، مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، مُعْتمًّا، في عِمَامَته أسْهَم، فمَرَّ بعُمَر فلم يُكَلِّمهُ، ودَخَلَ على أبي بَكْرٍ فَرَأى منه كُلّ ما يُحبُّ فَخَرَج مَسْرُورًا، فعَرِفَ عُمَرُ أنَّ أبا بَكْرٍ قد أرْضَاهُ، فأمْسَكَ عنِ كَلَامِهِ، وإنَّما كان وَجد عُمَرُ عليه فيما صَنَعَ بمالك بن نُوَيْرَة من قَتْلِهِ إيَّاهُ، وتَزَوُّج امْرَأته وما كان في نَفْسه قبل ذلك من أمْر بني جَذِيْمَة.

قال مُحَمَّد بن عُمَر فهذا أثْبَتُ عندنا أنَّ خَالِد بن الوَلِيد رجَعَ من اليَمَامَةِ إلى المَدِينَةِ، وقد رَوَى قَوْمٌ من أهْلِ العِلْم أنَّ أبا بَكْرٍ كَتَبَ إلى خَالِد حين فرغَ من أهْلِ اليَمَامَةِ أنْ يَسِيْر إلى العِرَاق ففَعَل.

أنْبَأنَا أبو حَفْصٍ، قال: أخْبَرَنَا أبو القَاسِم إسْمَاعِيْل بن أحْمَد بن السَّمَرْقَنْديّ، إذْنًا أو سَمَاعًا، قال: أخْبَرَنَا أبو بَكْر بن الطَّبَريّ، قال: أخْبَرَنَا أبو الحُسَين بن الفَضْلِ، قال:


(a) الأصل: الحلفة، والمثبت من تاريخ ابن عساكر ١٦: ٢٥٩، والحلقةُ: اسم لجملة السلاح والدروع وما أشبهها. لسان العرب، مادة: حلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>