بيَّنَ هذا بياناً شافياً، ولا الصحابةُ الذين لم يُسامحوا في كتاب اللهِ تعالى بحرفٍ، نقلوا ذلك نقلاً متواتراً، يَقْطَعُ العُذْرَ ويُوجبُ العِلْمً، ولا ظَهرَ عنهم إجماع يقطعُ به، عُلِمَ أن هذا توهم من قائلهَ ومخاطرةُ من معتقده.
قالوا: ولأنَه لو جازَ أن يخاطبهم بالصلاةِ، وهي في لغتهم الدعاءُ، وهو لا يريدُ الدعاءَ، والزكاةِ، وهي في لغتهم الزيادةُ، وهو لا يريدُ إلا التنقيصَ والتشعيثَ، وخاطبهم بالحجِّ، وهو لا يريدُ القصدَ، بل الوقوفَ والرميَ والطوافَ والسعيَ، لجازَ أن يخاطبهم بالقتلِ، وهو يريد منهم قطعَ اليدِ أو الجلدِ، ويخاطبهُم بالصومِ، وهو يريدُ منهم الأكلَ والشربَ، وأن يقولَ: اقتلوا المشركينِ، وهو يريدُ المؤمنينَ، فلما لم يَجُزْ هذا لم يَجُزْ أن يُدعى أنهُ أمرهم بما ليسَ في لغتهم، بل هذا أحسنُ لأن جميعَ ما غيرت إليهِ من الأسماءِ لغة لهم، لأنَ قَطْعَ اليدِ الذي نُقِلَ القتلُ إليهِ، والأكلَ والشربَ الذي أرادَ به الصومَ على ما بينا، كلَّه لغتهُم، والذي جعلتم النقلَ إليه ليس بلغةٍ رأساً، فإذا لم يَجُزْ فيما ذكرنا، ففيما ذكرتُم أولى أنْ لا يجوزَ، لأنَّه ليس مِن لغةِ القومِ رأساً.
وقد تكلفَ قومٌ منهم بأنْ نقلوا الوضعَ الأصلي، واستشهدوا عليه بقولِ العرِب، فقالوا: إنَّ الصلاةَ الدعاءُ بدليل كتاب الله، وكلام العربِ في نثرِهم ونظمِهم.
فمن كتاب الله سبحانه قولُه:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}[التوبة: ١٠٣]، وقوله:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ}[التوبة: ٩٩] ومنه سُمَيتْ الصلاةُ على الميت صلاةً؛ لأنها دعاءٌ