للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في جَمْعِ الأجوبةِ عَن الأسئلةِ على هذهِ الآيةِ

أما قولُهم: إنَها لا تعطي صيغةَ الأمر، فإنَ قولَه: {أَنِّي أَذْبَحُكَ} ذَكرَهُ بلفظِ المستقبلِ، لأنً الفعلَ مستقبل الأمرِ، ولَو لم يكنْ قد قدم على ذِكْرِ الذَبحِ أمْر اللهِ لة بالذبحِ، لَما قالَ الابنُ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، فإنَ رؤيةَ الفعلِ لا تعطي الأمرَ. وقولُه: {مَا تُؤْمَرُ}، ولم يقلْ: ما أمِرْتَ، قد يَجيء الماضي، قال الله سُبحانه: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} [الفرقان: ٤١] والمراد به، اتخذوكَ هُزواً، وقالَ الشاعر (١):

وإذَا تكون كريهةٌ أُدْعى لها ... وإذَا يُحاس الحَيْسُ يُدعى جُندَب

والمرادُ به: إذا كانت كريهة [دُعيت]، وإذا حاسَ الحيسُ دُعيَ جُندَبُ.

ويجوزُ أن يكونَ ذَكَرَهُ بلفظِ المستقبلِ بمعنى: افعلْ بما يُستدامُ من الأمرِ، فإن استدامَ ما أمِرتَ بهِ، فافعَلْ، كأنه قولُ مُترجّ من لطفِ الله أنه لا يُسْتَدام الأمر، فعَطَفَ على الدوامِ بالذِّكْرِ، وجَعَلَة شرطاً


(١) اختلف في قائل هذا البيت، فقيلَ: هُني بن أحمر الكناني، وقيلَ: لزرافة الباهلي، وقيل: لصخرة بن ضمرة النهشلي.
انظر: "ذيل الأمالي" (٣/ ٨٥)، و"حماسة البحتري" (ص ١٠٩) و"شرح أبياتِ مغني اللبيب" (٧/ ٢٥٧). و "خزانة الأدب" (٢/ ٣٨).
والحيسُ: هو التمر يخلطُ بسمنٍ وأقطٍ، فيعجن شديداً، ثم يندر منه نواه.
وأصل الحيس، هو الخلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>