للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفعلِ، فقطعَ الله دوامَ الأمرِ بالنسخ، كما وَقَعَ لهُ من الرجاء.

وأمَّا قولُهم: إنَّه أمرَ بالمقدِّمات، فلو أمِرَ بذلك لما كان تعجلَ لابنِه الترويعَ بمجرَّدِ الظنِّ بذكْر الذَّبح، لأنَه ليس من طِباعِ الآباءِ أنْ يُرَوعُوا الأبناءَ بمجردِ الظنون، ولا يُنَفرُهُ أيضاً بذكر عاقبةٍ لا يعلم حقيقتَها عن أمرٍ إذا انفردَ كانَ أسهلَ، ولا غَرَضَ في ذلك، لأنَّه إذا بُلي بالأصعب أوجبَ الحالُ التسهيلَ، فأمَّا أنْ يُبلى بالأسهلِ فيواجهُه بالأصعب، فلَيس هذا حكمَ العادةِ ولا الشرع، ولهذا نَدَبَتْ الشرائعُ إلى التسَهيلِ وتركِ التنفيرِ، ولأن الله سبحانه سَماهُ بلاءً مبيناً، وتأكيدُ البلاءِ يدلُّ على تأكيدِ المأمورِ به، فلو كانَ بالأمارةِ ما كان بلاءً، فإذا قالَ: المبين، دلَّ على أنه تعيَّنَ الذبحُ، لا بمقدماتٍ وأماراتٍ.

وقولُهم: كتَمَ وأبهمَ العاقبةَ. فلو كان كذلك لما صَعُبَ الأمرُ بكشفِها لابنهِ، لأنه إذا كانَ الله سبحانه ما كَشَفَها لُطْفاً بإبراهيمَ، كيف يُتَصورُ أنْ يَكْشِفَها إبراهيمُ بمجرَّدِ الظن تصعيباً على إسماعيل.

وأمَّا قولُهم: إنهُ رُويَ أنه ذُبِحَ والتحمَ، فما أبعدَه!! مع كونِ الله سبحانَه أخبرَ بالفداءِ، وهل يكونُ الفداءُ إلا ما قامَ مقامَ المكروهِ دافعاً لهُ، ومانعاً منه؟ فإذا كانَ إسماعيلُ أو إسحاقُ قد ذُبِحَ، والكبشُ ذُبِحَ أيضاً، فلِمَ اختُصَّ الكبشُ بأنْ يكونَ فداءً؟

قالوا: كان فداءً عن تَعَقب الذَبح موته، فجُعِلَ الكبشُ ذبيحاً تعقَبَ ذبحَه الموتُ، وإسماعيلُ ذُبِحَ ذبحاً لم يتعقبْه الموتُ.

قيل: معظمُ البلاءِ ذوقُ الحديدِ، ومعالجة الآلام، فإذا وقعَ، فلا فِداءَ، بل هي مساواةٌ، ولو ذُبِحَ الكبش ثم أحياهُ، لمَا خَرَجَ عن أنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>