للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونَ فِداءً، حيثُ لم يَقعِ الذبحُ بولدِ إبراهيمَ، وحيثُ وقَعَ فلا فداءَ.

وأما قولُه سبحانه: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] وتسميةُ ولده ذبيحاً، فلأن التصديقَ ليس يقفُ على الفعلِ، بل المُسارعةُ بالطاعةِ مع الاعتقادِ، والعزمُ: تصديق، ولهذا لا يقفُ اسمُ الإيمانِ على امتثالِ الأوامِر الشَرعيةِ، بل يَسبقُ أفعالَ العباداتِ اسمُ الإيمانِ بمجرَّدِ الالتزام.

وأمَّا تسميتُهُ ذبيحاً، لأنه أُمِرَ بذبحِه وأطاعَ، وبَذَلَ نفسَه للذبحِ. قالَ سبحانه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] يعني: يبذلونها، فسمَّي البذلَ إعطاءً، كذلكَ سمَّى بَاذِلَ النَّفسِ للذبحِ ذبيحاً، وكما سمَّى عيسى قولًا (١)، وهو توسُّعٌ في موضعِ ثناءٍ ومدحةِ.

على أنَّ الاجتماعَ بيننا وبينهم على أنَ الاسمَ لا يكونُ حقيقةً إلا حالَ الذَّبح، وما دامَ الذبحُ، ولا وقعَتْ التًسميةُ عليه إلا بعد الذَّبحِ، والتَسميةُ لِماَ كانَ من الذبحِ مجاز، كما أن الاسمَ للأمرِ بالذبحِ مجازٌ، فلا فرقَ بيننا في القولِ بالمجازِ هاهنا.

ولأنَّ الآيةَ تَضَمَّنتْ بيانَ مِدْحَةِ إبراهيمَ في تصميمه وعزمهِ، وإسماعيلَ في تسليمهِ وصبرِه، وحقيقةُ الذَّبحِ تتضمنُ بيانَ الإِعجازِ والقدرةِ وكمالَ المدحةِ، فكيف تكتمُ مثلُ هذهِ الفضائلِ العظيمة، والمعجزاتِ الباهرةِ، ويُذكرُ التَلُّ للجبينِ، وهو لا يُنسبُ إلى حقيقةِ


(١) يشير إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤)} [مريم: ٣٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>