للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْناً، واعَتدِّي بالأقراءِ، وأمْسِكْ عن الطعامِ إذا طَلَعَ الفجرُ، وصَلّ إذا غَابَ الشفقُ، فإنّ ذلكَ لما كان لفظاً موضوعاً لأقسام مختلفةٍ ومعانٍ متغايرةٍ حَسُنَ أنْ يقول: أي لونٍ أصْبِغهُ؟، وبأيِّ الأقْراءِ أعْتَد؟، وأيُّ الفَجْريْنِ الذي أمْسكُ عن الأكلِ عند طلوعهِ؟، وأيُّ الشَفَقَين أصلّي عند غيبتهِ؟، ولا يقبحُ الاستفهامُ فيه وعنه، وإنما التَهدُد والتعجيزُ والإباحةُ، ألفاظٌ موضوعةٌ في تلك الأحوالِ.

ولربّما زعمَ قومٌ من الفقهاءِ أنها مستعملةٌ على سبيلِ النقلِ، كلفظِ (حِمَار) منقولةٌ مِنَ النهاقِ إلى البليدِ، ولفظةُ (بحر) منقولٌ من الماءِ إلى العالِم والكريمِ، وليس يَرْتَضي المحققون ذلك؛ فإن العربَ إنما تَسْتَعيرُ الصيغةَ بِمَحَل، ولِما فيه بعضُ مشابهةٍ لما وُضعَ له اسمُ الحقيقة، كبلادة في الإنسان، يُستْعارُ له لأجلها اسمُ حمارٍ، وغزارةِ علم وفيضِ عطاءٍ، يُسْتَعارُ لصاحبهِ اسمُ بحرٍ، وليس بين التهديدِ الزاجرِ المانعِ من الفِعْل المزجورِ عنه، وبين الأمرِ الموضوع للاستدعاءِ واتخاذ الفعلِ المَأمور به، تماثلٌ ولا تشابهٌ؛ فلذلك لَم نَرْتَضِ تشبيهه بالمجازِ.

لكنْ نقول: إن قولَ المُتَهدِّد: افعل ما شئتَ، وأكْثرِ من مخالفتكَ إيَّاي ومعصيتك لي، لفظ موضوع عندهم للزجر، كقول المُعَرِّضِ بالقذف حالَ المسَابّة لغيره: يا عفيفُ ابنَ العفيفةِ، وقولِ القائل للمشهورِ بالبخلِ: يا كريمُ، وللجاهل: يا حَكيمُ. هذا موضوعٌ للاستخفافِ، ولا يقال: إنه اسمُ مَدْحٍ استُعِير للذم، ولكنها بمشابهةِ اللفظةِ، كالمجاز الذي يحملُه من لا علمَ لَهُ بالحالِ على الحقيقة (١)،


(١) في الأصل: "الاستدعاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>