للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا خَفِي عليه الحالُ الدالّه على التَّهدُّد والحالُ الدالّةُ على الذَّمِّ، وسَمعَ قائلًا يقول: افعل، قال: مستدع، وإذا سَمع قائلًا يقول: يا عفيفُ، ويا كريمُ، ويا حكيمُ قال: مادحٌ ومُثْنٍ، كما إذا سَمع قائلًا يقول: بحرٌ وحمارٌ، حَمَلَ الأمرَ على الحقيقةِ الموضوعةِ فيٍ الأصلِ دون المجازِ، فهو يشابهُ المجازَ والحقيقةَ من هذا الوجهِ خاصة، فَينْدفعُ بهذا تَشْبيههم صيغةَ الاستدعاءِ بصيغةِ اللونِ والجوْنِ، من جهةِ أن ذاكَ لو سُمعَ على أيَ حالٍ لَمْ يُعْقلْ منه السوادُ أو البياضُ إلا بدلالةٍ تصرِفُ اللفظَ إلى أحدِ محتملاتهِ، على أن دليلَهم باطلٌ بصيغةِ الايجاب، فإنها قد تَرِدُ والمرادُ بها الندب المؤكدُ، كقوله صلى الله عليه وسلم: "غُسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلُّ محتلم" (١)، وكذلك الوعيدُ ورَدَ على مَنْعِ الماعُون، ومَنْع إعارةِ الدلوِ، ومنْحةِ اللبنِ (٢)، ومَنْعِ فَضْلِ الماءِ (٢)، وعلى تركِ إجابة الأَذانِ إلى الجماعةِ (٣)، ووردَ على تركِ الفروضِ، ولَمْ يوجِبْ ذلك الوقتُ عند مجيئهِ مطلقاً، بل حُملَ على الايجاب في الفعلِ، وإيجاب ما تُوُعدَ على تركِهِ، إلا أنْ يَصرِفَنا عنه دلالةٌ، فَبَطَل التَعَلُّق بالاشتراكِ.

وأما التقسيمُ علينا في طُرق إثباتِ الوجوب، فإنَّ ما سَطرة أهلُ اللغةِ في كتبِهم يجري مجرى التواترِ، وما استقريناهُ من ألفاظِهم، وما قررناهُ في أدلتِنا، وما تلوناهُ من الآي والسنةِ، وحكيناه عن أهلِ


(١) أخرجه البخاري (٨٧٩)، ومسلم (٨٤٦).
(٢) سيرد الحديث بنصه في الصفحة (٥١٥).
(٣) سيأتي في الصفحة (٥١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>