للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقصةُ عامُ الحديبيةِ مشتركة، فإن عمر كان من أهل اللغةِ، وقد تعجّل الوعد (١)، وطلب ذلك، واعترض بالتأخير والتعذّر.

ولأنَ الوعدَ بالدخولِ يخالفُ الأمر:

فإنَ العِدةَ في نفسِ وضعها تقتضي الاستقبالَ، ومن أراد أن يُعَجِّلَ لا يعِدْ، وإنَما تحصلُ العِداتُ بالأمورِ في غالبِ الأحوالِ لنوعٍ تعذَرَ في الحالِ، أو لمصلحةٍ تقتضي التأخيرَ.

والأمرُ اقتضاءٌ، وبينَ العِدةِ والاقتضاءِ ما يشهد به طبعُ اللفظِ وجوهرُ الكلامَ.

وكذلك لا يحسُنُ الاقتضاءُ بالعِدةِ عقب التلفظِ بها، ويحسنُ الاقتضاءُ بالائتمارِ والامتثالِ عقيب التلفظ به، ولذلكَ لا يحسُنُ أن يسمّى من تأخرت عِدتهُ عن مجلس الوعد مخلِفاً، ويسمي من تأخّر عن امتثالِ الأمرِ مخالفاً وعاصياً في مطَردِ العادِة العربيةِ، إلا فيما كان فيه دلالةُ حال تقتضي التأخيرَ.

وقد شهدَ لذلكَ القرآن في قصة المأمورين بذبح البقرة لما توقفوا بنفس الاستعلامِ عن صفاتِها، ذمَّهم الشرع، فقال صلى الله عليه وسلم "شدَّدوا فشدّدَ عليهم" (٢).


(١) حصلَ ذلكَ فىِ الحديبية حيث قال عمر رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه وقد صدهم المشركون عام الحديبية: أليس قد وعدنا الله بالدخول فكيف صدونا. وقد تقدمت الإشارة اليه: ٢/ ٣٥.
(٢) سلف تخريجه في الصفحة: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>