وأما الجوابُ عن قولهم: لو كانَ الواجبُ واحداً، لنصب الله عليه دليلاً. فلا وجه للمطالبةِ بالدليلِ عليه، مع كونهِ قد جعلَ الاختيارَ من المكلَّفِ هو المعين له بالوجوب، كما إذا جعلَ التخييرَ إليه بلفظِ العموم، فإنَّه لما نكّر العبدَ فىَ العِتقِ، والمشركَ في القتلِ، صارَ العبدُ الذَي يبادره بالعتقِ، والمشركُ الذي يبادره بالقتل، هو الواجبَ عتقه وقتله، كذلك التخييرُ بلفظِ الخصوص.
ولأنَّ هذا باطل بالعقاب على تركه، فإنَّه لم يقم على المتروكِ المستحق به العقاب دليلًا، وَلا جعلَ إليه سبيلًا، ومع هذا فهو واحد، وباقي الثلاثة ليست كذلك، وكونُ المكلَّفِ المختارِ لا يعرفُ الأصلحَ له فيسلكُه ويقصده، ولا المفسدَ فيجتنبه، ولا يجوز أن يرد الاختيارَ إليه، لا يمنعُ أن يكونَ الباري لا يخير إلا إذا علم أنه لا يختار إلا الأصلحَ دونَ المفسد، ولو فصح الباري وصرَّح بذلكَ بأنْ يقول: أيها المكلف كفَر بأيِّ الثلاثة شئت، فمهما اخترتَ التكفيرَ به، فهو المختارُ لنا والمصلحةُ لك. وقد قلنا مثلَ ذلك في جواز ردِّ الاختيارِ والتكليفِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتشريع، فيقول الباري له: احكم بما شئتَ وما ترى، من غير قياسٍ ولا استنباطٍ، بل ما تراه فهو الحكم عندنا.
ولأنَ طلبَ الأصلح، وخوفَ مواقعةِ الأفسدِ، إنّما يكون فيما هو معيّن، فأمَّا إذا كان المأمورُ به غيرَ معيَّن، فإنه لا يجبُ البيان، لأنَّ الجميع متساوٍ.
وأما قولهم: إذا كفر ثلاثة، كلُّ واحدٍ منهم بغيرِ الذي كفر به