للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفاياتِ لا يحصلُ المأثمُ على التركِ والإعراضِ ما دام في القرية من يُرجى فعلُه لذلكَ الفرض، مثل صلاةِ الجنازِة، فإذا أعرض الكُلُّ، كان بإعراضِ الأخير منهم ظهورُ الإثمِ أو حصولُه، ولم يَدُل ذلكَ على أنَّ الوجوب لم يعمَّ أهلَ القرية، بل اختصّ بآخرهم إعراضاً عن الفرض وتركاً له.

على أن نفيَ المأثم إنما يدُلُّ على نفي الوجوب إذا خلا التركُ عن عذر، فأمَّا الأعذارُ فمنها تُسقط مأثمَ التُّروَك والتأخيراتِ للواجبات، بدليلِ السفر يؤخِّرُ الصومَ، لأجل أنه عذرٌ (١)، وكذلك تأخيرُ الصلاةِ في الجَمع، وتركُ الجمعةِ للأشغال وخوف (٢) تلف الأموال.

وهاهنا عذرٌ ظاهر، وهو أنا لو أثمناه بتأخيرِ الصلاةِ عن أول الوقت، وألزمناه فعلَها فيه، فإنَّ مصادفةَ الزوالِ والغروب لأشغالِهم مانعٌ لهم ومعوِّقٌ عليهم ما بهم إليه أشدُّ حاجة، وإن كلفنَاهم مراعاةَ الوقتِ الأوّلِ بتركِ الأشغالِ والتَّرصُّدِ لدخوله لأحْرَجَ وشقَّ، فلما عَلِمَ اللهُ سبحانَه ذلكَ من أحوالهم أسقط المأثم عنهم بالتأخيرِ، كما أسقطه بسائِر الأعذارِ المعيقة، كالسفرِ لأداءِ صوم رمضان وتوسعةِ ما بين رمضانين لقضائه، بخلافِ آخرِ الوقت، فإنَّ فيمَا سبقه من التوسعة غنىً عن رفع المأثمِ بتركها فيه، وفارقَ الواجبُ النفلَ من هذا الوجه، وهو


(١) بدليل قوله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤].
(٢) في الأصل: "وجوب".

<<  <  ج: ص:  >  >>