لشخصٍ بعينه، مفسدةً لغيره، لاختلافِ الأشخاصِ في ذلك، فاذا صرفَ الشارعُ الأمرَ إلى شخص بعينه، لم يجز الإقدامُ على تعديته إلى غيره إلا بعد العلمِ بأنه مصلحة للآخر، ولا سبيلَ لنا إلى العلم بمساواةِ المخاطَب لغيره إلا بدلالةٍ تقومُ من جهةِ من صدر الخطابُ عنه سبحانه. وما صارَ ذلك إلا بمثابةِ حكيم من حكماءِ الطب، أمرَ مريضاً بشرب دواءٍ، أو وَصَف له حِميةً عن نوعٍ من الغذاء فإنه لا يجوزُ أن يعدي ذلك الأمرَ، ويعم بذلكَ الدواءِ أو الحميةِ غيرَه إلا بدلالةٍ أو قرينة من جهةِ الحكيم الواصفِ، لتفاوتِ الأمزجةِ في الأشخاص، كذلكَ يجبُ هاهنا أن يمنعَ من التعديةِ إلى غيرِ المخاطب لتفاوتِ ما بين المكلفين من المصالحِ، وقد انكشفَ ذلك بما ظهرَ من مغايرةِ الشرعِ بين النساءِ والرجالِ والأحرارِ والعبيد، والمسافرِ والحاضرِ، والمريض والصحيح في صفاتِ التكاليفِ ومقاديرها، وان اجتمعوا كلُّهم في إرسالِ النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فلا يلزمُ من تساويهم في إرسالهِ إليهم تساويهم في خطابهِ لهم، كما أنهم اجتمعوا في التكليفِ واختلفوا في أحكامِ التكليف.
قالوا: ولاسيَّما ماظهرمن تخصيصِ النبيّ صلى الله عليه وسلم من أُمته وتمييزه عنهم بإيجاب واجبات واباحةِ مباحات، وحظرِ محظورات لم يشاركه فيها أحد مَن أمّته، فكيفَ يجوزُ أن يعدى حكمُ خطابهِ إلى غيرِه من أمته، مع الحالِ المعلومةِ من تخصُّصه، بل لا يجوزُ ذلكَ إلا بدلالةٍ تعم أمته وتوجبُ تعدي حكمه إليهم.