للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقالُ: تصح منه النَّجارةُ بشريطةِ تحصيلِ الآلات. فهذا قولٌ باطلٌ موهِمٌ عندَ من لا يفهم أنَّه سَيىء، واذا كشُفَ بالتحقيق تزيَّف.

على أنه لو جازَ أن يقالَ هذا في العباداتِ، لقيلَ في تصديقِ الرُّسل: إنه لا يخاطبُ به، لأنه لا يصح منه إلا بعدَ تقديمِ النظرِ والاستدلالِ المحصّلين لإثباتِ الصانعِ وأنه واحدٌ منفردٌ بخرقِ العادات، والقدرةِ على ما يظهرُ على أيدي الرسلِ صلوات الله عليهم من المعجزاتِ، وإنَّما لم يقل ذلك، لأنَّهم قادرون على تقديم النظرِ المؤدي إلى صحةِ تصديق الرُسُل، كذلكَ الكافرُ قادرٌ على إزالةَ كفرهِ بصائب فكرِه وصدق الاجتهاد من نفسهِ، فإذا زالَ الكفر صَلح للصلاةِ والصيامِ، كما أنَّ الجُنُب إذا اغتسلَ صَلح لأداءِ الصلاةِ والطوافِ وغير ذلك مما يشترطُ له الاغتسالُ، فقد وجبَ التأثيمُ عليه بتركِ ما هو قادرٌ على التوصُّل إليه.

فإن قيل: هذا كلامٌ باطلٌ يوهِمُ أنه ينطبقُ على ما نحن فيه، وليس الأمرُ كذلك، لأن النظر شَرطُ المعرفةِ، والطهارةَ شرطُ الصلاةِ، وليس الإيمانُ شرطاً للعباداتِ، وانما هو أصل بنفسه، إذا صحَّ أوجبَ إلزامَ توابعه، وعُلَقِه، وما هذا سبيلهُ لا يجبُ على المكلفِ تحصيلُه لأجلِ ما يترتبُ عليه.

فيحسُن أن يقال: يجبُ أن يحصّل الغُسلَ ليصلي، لأنَّ الغسلَ لا يجبُ في نفسِه إلا لغيرِه وهو الصلاةُ والطوافُ والاعتكافُ، والنظرُ لا يُرادُ لنفسِه، بل يُرادُ لتحصيل المعرفةِ، فأمّا الإيمانُ فإنه لا يقال: إنه موضوع ليصَلّيَ ويصومَ، بل هو أصل، وانما يصلّي ويصومُ ليقعَ منه بذلكَ موافقةُ التصديق، فأمَّا أن يُصدقَ ليصليَ ويصومَ، فبعيدٌ ذلكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>