للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند المحققين، بل محال (١).

على أنَه ليسَ كلما لم يصح الشىءُ إلا بحصولِه يجب تحصيله، لا سيّما إذا كانَ شرطاً للصحةِ، بدليلِ أنَّه لا يَصح إخراجُ الزكاةِ إلا بتقديمِ ملكِ النّصاب المخصوص، ولا تصح التوبةُ إلا بتقدُّم الذنب، ولا يجبُ تحصيلُ النصابِ ليزكي، ولا مقارفة الذنب ليتوبَ، ولا كلَّما لم يجب الشيءُ إلا بحصولهِ يكون واجباً؛ بدليلَ أن تحصيلَ الزاد والراحلةِ، لا يجبُ الحجُّ إلا بحصولهِ، ولا يجبُ تحَصيلهُ، فلا شرطَ الإيجاب يجبُ، ولا شرطَ الصحةِ يجبُ، فبطلَ قولُكم: إن العباداتِ يجبُ تحَصيلُها بتحصيلِ شرطِها، وهو الإيمانُ الواجب.

فيقال: هذا مشاحّةٌ في عبادةٍ، وإن الإيمانَ واجبٌ، لكنه ليس بشرطٍ ولسنا نضايقكم فنقول: إن الإيمان شرط. بل نقولُ: الإيمانُ واجب مقدور على تحصيلهِ، واذا وجبَ تحصيلُه وجبت العباداتُ، فكانَ وجوبُه مع استطاعةِ تحصيلِه صالحاً لإيجاب ما ترتّب عليه، كالنظرِ والاستدلالِ لما وجبا وكان وجوبُهما طريقاً لمَعرفةِ الله، وجبت معرفةُ الله على من لم يعرفِ الله بطريقِ النظر.

فأمَّا قولكم: إنَ النظرَ لا يُراد لنفسِه، والطهارةَ لا تُرادُ لنفسها، فهما شرطان، والواجبُ إنما هو الصلاةُ والمعرفةُ، وهنا الواجبُ: الِإيمانُ والمعرفةُ، لا النظر، فليس الأمرُ كذلك، بل النظرُ المؤدي إلى المعرفةِ طريقُ وشرط، والعبادةُ لله سبحانَه والطاعةُ هي المقصودةُ. قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] فالأمرُ بالطاعاتِ المقصودةِ، شاملٌ كلَّ مكلفٍ، لأن الله سبحانَه أخبرَ أنه لم يخلق الجنَّ والإنسَ إلا لعبادتهِ، ولما لم تصحَّ عبادةُ من


(١) لأن الإيمان اعتقاد جازم وقول وعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>