الطهارةِ، حسُن أن نقول بأنَ الأمرَ بها أمر بالطهارةِ معنى، كذلكَ حسُن أن نقول: إنّ استدعاءَ الفعلِ ها هنا استدعاء لتركِ ضدّه معنىً، إذ كان ذلكَ شرطاً له.
وأمَّا قولهم: لو كانَ الأمرُ بالشيء نهياً عن ضدّه، لكانَ منهياً عن ضدّ النوافل وهو التركُ لها، أو كل فعل يضادها من الخياطةِ والتجارةِ وغيرِ ذلك، ولو كانَ منهياً عنه لكانَ مكروهاً أو منزَهاً عنه. فلا يلزمُ، لأن النهيَ عن الضدّ بحسب الأمر، وإذا قلنا: المندوبُ مأمور، فإن كلَّ ضدٍ لها يستحبُ تركُه إذا لم يكن واجباً لأجلِ قضاءِ دين أو إنفاقٍ على عيال، كما يجبُ تركُ ما يسقطُ بفعلِه الواجب من أضداده، إلا أن يكون الضدّ واجباً فعلُه مقدَّماً وجوبُه على وجوب المأمورِ به، فعلى هذا إذا أمر بصلاةِ التراويح، كان أمرَ استحباب، اَستحببنا له تركَ كلِّ شُغل عنها، ونهيناه على حدِّ الأمر بها عن كل ضدٍّ لها.
وأمَّا قولُهم: لو كانَ الأمرُ بالشيء نهياً عن ضده، لكانَ العلمُ بالشيء جهلًا بضدّه. لا يصحّ، لأنَّنا نقول: وما الجامعُ بين الأمرِ والعلم؟!
على أنَّ الحق أن يقال: يصحُّ أن يعلمَ الشيءَ وضدَّه في حالةٍ واحدةٍ، ولا يأمرُ بالشيء وضدّه، وذلك لأنَّ العلمَ بالشيء لا ينافي العلمَ بضدّه، والأمرُ بالشيء ينافي الأمرَ بضدّه، فلا يكونُ فاعلًا لشيءٍ إلا بتركِ ضدِّه، ويكونُ عالماً بالشيء، وإن لم يكن جاهلاً بضدّه، ولأنهم وافقوا أنَّ كلّ آمرٍ بشيء ناهٍ عن ضدّه، وليسَ يجبُ أن يكونَ كل عالمٍ بشيءٍ جاهلًا بضده.