للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمراً، بمعنى أنه سيأمرُ، وكل اسمٍ صحَّ نفيُه فهو من أسماء الاستعاره والمجازِ، ولا يحسُن أن يقالَ: ليس بخالقٍ في القدم، ولا يصحُّ بل يستحيلُ؛ لأنَّ معنى الخلق: الفعلُ، والفعلُ لا يكون إلا في الزمان المستقبَل، والقِدمُ هو عدمُ الأولية وثبوتُ الأزلية، فلا تجتمعُ الحقيقتان؛ لأنهما ضدّان، فكذلكَ الأمرُ إذا كان من بابِ المتضايفات، وكان إنما ينطبقُ على ما سيوجدُ، كان مجازاً لا يتحققُ إلا عند وجودِ ما ينطبقُ عليه، وهو المأمورُ المستدعى منه.

فيقال: إنَّ أمرَ مَنْ لا آلةَ له يَعملُ بها، أو العاجزِ الذي توجده القدرة في الثاني وليس بظافرٍ بها أمر حقيقةً، وإن كان متراخياً إلى حينِ تكاملِ شرطِ المأمورِ من تحصيل آلتِه وحُصولِ قدرته؛ لأن العالم (١ ................................ ........................................................................ ١) ليس بعالم إلا بَعْد وجودِ الأحوالِ التي عَلمَ أنها ستكونُ، بل ويقال: عالم بما يكون في الثاني من أحواله. وكذلكَ الموصي المعلَّقُ لوصيّته على موته، وإعطاءِ أولاده على وجودِ أولاده، والموقِفُ مملِّك لمن وَقَفَ عليه وَقْفاً، وإن كان المُمَلّكُ غيرَ موجود، لكنّه لما كان تمليكاً لمن يوجد في الثاني، لم يكن تمليكه مجازاً.

وأما قولُهم: الأمرُ إلزام أو مطالبة أو استدعاء، والمعدومُ لا يُلزمَ، ولا يُستدعى منه، ولا يمتضى. فليس بصحيحٍ؛ لأنَّ الإلزامَ والاقتضاءَ في الحالِ هذا حُكمهُ، فأمَّا إلزامُ من يحدثُ في الثاني واقتِضاؤُهُ واستدعاؤه، أو الاستدعاءُ منه، فإعادة منهم وَتكرار، وَمَدارُ ما صدرَ عنهم بإحالةِ الاتصالِ والتعلُّق بما هو معدومٌ والإضافةِ إليه، وجميعُه إنما يصحُّ لهم فيما هو معدومٌ في الحالِ، ولا وجودَ له في الثاني والاستقبال، فأما ما قد عُلم وجودُه، فلا يستحيلُ ذهابُ الخطابِ إليه، وانصرافُه نحوه عند وجودِه، فلا إحالةَ ولا استبعادَ، ولهذا يقول العاقلُ مِن أهلِ اللغة: هذا وَقْفي على من يَحدثُ


(١ - ١) طمسٌ في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>