للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ولدي، وهذهِ وَصيتي إلى من يكونُ من عَقبي، وهذا كتابي إلى أهلي. وهو على المسافةِ البعيدةِ منهم، وهذا الاستبعادُ منكم هو شرحُ مذهبكم. وإلا فالتعليق والإضافَةُ والخطابُ كُل ذلكَ صَحيحٌ عندنا إذا أُحيلَ (١ ................... ............................................ ١) الخطاب بأن يقول: هذا خطابُ الله لي وأمرُه إيَّايَ. ويقولُ المُوصَى له: هذا أمرُ أبي ووصية أبي، ولا يحسنُ نَفيُه، فيقولُ: ليس هذا أمرَه ووصيتَه، ولا أمَرَني ولا وَصَّاني؛ لأنه حين قالَ، لم أكن بحيثُ أفهمُ عنه، ولا يَصح أن يخاطبَني.

وأمَّا دعواهم أنَّ الصغيرَ والمجنونَ لا يتعلّق عليهما أمرٌ ولا نهيٌ، ولا يُكَّلفان حينَ الصغرِ والجنونِ، اعتماداً على زوالِ الجنونِ والصغَرِ، وأنَّ ذلكَ إجماعٌ، فدعوى باطلةٌ؛ لأن كُلَّ من أجازَ أمرَ المعدومِ بشرطِ وجودِه لم يمتنع من أمرِ المجنونِ بشرطِ إفاقته، والصبيِّ بشرطِ بلوغِه، وإنما حملوا رفعَ القلمِ على أحدِ أمرين (٢)، إما نفيُ الخطابِ له مواجهةً ومخاطبةً على ما هو عليه، أو على رفع المأثَمِ والمؤاخذةِ (٣)، فأمَّا ما ذهبنا إليه فكلا، وما (٤) الذي يُنكَرُ من صرفِ الخطاب إلى مَنِ المعلومُ أنه يَعقِلُ ويَبْلُغُ ويَتكاملُ بشروطِ التكليفِ فيه؟

فأمَّا دعواهم أنه لا ينطلق نحوَ المعدوم ذَمٌ ولا مدحٌ، فما أبعدَها من دعوى على أهلِ السُنّة، مع قولهم بقِدَمِ الكلامِ، وإنَ الله سبحانه قد ملأ كتابَه الكريمَ بذمِّ العُصاةِ التاركين لأوامره، المرتكبينَ لنواهيه، وذلك الذمُّ فإنما انصرفَ إلى من عَلمَ أنه إذا وُجدَ وخوطبَ لم يَمْتَثلْ أمرَه، وكذلك مَلأ كتابه بمدحِ [الطائعين، وذلك ينصرف إلى من علم أنه إذا وُجدَ وخُوطب امتثلَ لما جاءه] ٥) من أمر الله، وانتهى عما


(١ - ١) طمسٌ في الأصل.
(٢) أي على تقدير أحدِ أمرين.
(٣) انظر المسألة في "المستصفى"٢/ ٦٢، و"المسودة": ٤٥، و"أصول السرخسي" ١/ ٢٤٨.
(٤) في الأصل "أما"، ولعل المثبت هو الصواب.
(٥ - ٥) طمس في الأصل، وما بين معقوفين مقدرحسب المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>