للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)} [النجم:١٣] النبيُ صلى الله عليه وسلم رأى ربّه بعين رأسه مرّتين (١)، فقالت عائشةُ: لقد قَف (٢) شعري مما قال ابن عباس، والله تعالى يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (٣) [الأنعام: ١٠٣]، فردّت خبرَ ابن عباس بالاستدلال، فلم يعوِّل أهلُ التحقيقِ على ردها ذلك، لأنه سمع ما لم تَسمع، وروى ما لم تعلم، فوجب قبولُ روايته دون الاستدلالِ عليه، على أنَ الغُفران لهم ليس بمحالٍ في العقلِ، بل يجوزُ ذلك، ولو أراد الله أن يَغفِرَ لهم بشفاعتِه وبغيرِ شفاعتِه لفَعَل، كما قبل شفاعَته في تأخير العذابِ عنهم مع كفرهم، وأزال عنهم ما كان من عذاب الأممِ قبلهم، وكما قَبل شفاعتَه بالإذن في زيارةِ أمّه، ومنعه من الاستغفار لها (٤)، وقوله: "لأزيدنّ"، ليس على طريق العِناد والإلحاح، لكن لما جوز أن تكون الزيادةُ مقبولةً، أقدم عليها طمَعاً في إجابته.

والذي يوضِّح أن اللفظ لم يقصد به الإياس: أنه أنزل بعد ذلك في سورة


(١) الذي صحَ عن ابن عباس أنه قال: "قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه". أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" ص (٢٠٠)، والترمذي (٣٢٨٠)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص (٤٤٢)، (٤٤٣)، والطبراني في "الكبير" (١٠٧٢٧)، وابن حبان (٥٧).
وصحَّ عنه أنه قال: "رآه بفؤاده" أخرجه مسلم (١٧٦)، والترمذي (٣٢٧٥)، و (٣٢٧٦)، و (٣٢٧٧).
(٢) في الأصل: "وقف". ويقال: قَف شعره، إذا قام فزعاً."اللسان": (قف).
(٣) أخرجه أحمد ٦/ ٤٩،٥٠، والبخاري (٤٦١٢) و (٤٨٥٥) و (٧٣٨٠)، ومسلم (١٧٧)، والترمذي (٣٢٧٨) وابن حبان (٦٠).
(٤) ولقد جمع الإمام ابن حجر بين قول ابن عباس وبين قول عائشة رضي الله عنهما بأن يُحملَ إثباتُ ابن عباس على رؤية القلب، ويحُمل نفي عائشة على رؤية البصر انظر "الفتح" ٨/ ٦٠٨.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استأذنت ربي أن أستغفر لأمَّي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي". أخرجه مسلم (٩٧٦)، وأبوداود (٣٢٣٤)، وابن ماجه (١٥٧٢)، والترمذي (١٠٥٤)، والنسائي ٤/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>