للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنافقين قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦]، فدلّ على أن الإياس لم يتقدّم، وأن السبعين أبقت مكاناً للرجاء، فلما سلك الشفاعة بمقتضى الرجاءِ أنزلَ ما أوجب الإياس، رافعاَ لحكم الأوّل.

ومنها: أن قالوا: أما الصحابةُ رضوان الله عليهم لم يرجعوا إلى دليلِ الخطابِ، لكن أخذوا في إيجاب الغسل، وإرثِ الأختِ مع عدم البنت، والمنعِ من بيعِ النسيئة، وقصرِ الصلاة، وكان عملهم في ذلك بالخطاب، ثم إنهم عوَّلوا فيما ليس فيه نطقٌ بدليلٍ غير دليل الخطاب، وهو استصحابُ حالِ الأصلِ وأن لا غُسلَ ولا وارثَ ولا ربا ولا قصرَ إلا بدليلٍ يوجبُ ذلك، وهذا أحدُ الأدلة، لكنه دليلٌ يفزع إليه المجتهد عند عدم الأدلّة.

فيقالُ: إنَ القومَ ما تعلقوا في ذلكَ إلا بالنطق فيما نُصَّ فيه على الحكمِ، وبدليلِ خطابِه، ولا أحدٌ منهم عوَّل على استصحابِ حكم البراءة، ألا ترى أن يَعلى بن مُنْيةَ قال لعمر فما بالُنا نَقصرُ وقد أمنّا، والله تعالى يقول: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١]، فذكرَ الأمنَ والخوفَ، فالخوفُ تعلُّقٌ بالشرط، والأمنُ تعلق بدليلِ النطقِ لعدمِ القصدِ. وقالوا في قوله: "الماءُ مِنَ الماء" (١) رخصةٌ ونسخ، وإنَما أرادوا دليلَ خطابِه؛ لأنَّ النطقَ [ليس] (٢) بمنسوخ باجماعِ، ولو أرادوا البقاءَ على الأصلِ لما ذكروه بالنسخ؛ لأنَّ النسخَ ضدُّ البقاء؛ لأنَّ البقاءَ على حكمِ الأصلِ تمسُّك بثابت، والنسخُ رفعٌ، فدل على أن التعلق كان منهم بدليل الخطابِ دون استصحابِ الحالِ؛ لأنه لم يُذكر منهم الأصلُ ولاعُوَّل عليه.

ومنها: أن قالوا: هذا قولُ آحادِ منهم، ويجوزُ أن يكونَ قالوه باجتهادِهم، فلا يكون حجةَ على من خالفهم، ولأنَ تعلُّق ابن عباس بنفيِ الربا في النقدِ كان بأمرٍ


(١) تقدم تخريجه في ٢/ ٣٦.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>