للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لفظُ إثباتِ الحكمِ، وهو القتلُ، وقوله: لا تقتلوا أهل الكتابِ، لفظُ تخصيص، وكلاهما قد جمعَ النفيَ والإثباتَ.

فأمَّا في مسألتنا؛ فأنه لم يوجد منه إلا قوله: "في سائمةِ الغنمِ الزكاةُ" (١)، ولم يتعرض لنفي الزكاةِ عن المعلوفةِ ولا العاملةِ، فأين هذا من التخصيص والاستثناءِ؟ فيقال: لا فرقَ بين التخصيص بهذا الإثبات، وبين التخصيصِ بالفاظِ النفيِ، وذلك أنه إذا قال: اقتل المشركين. عمَّ كل مشرك، فاذا قال: وتجنب قتلَ أهلِ الكتابِ، وكُف عمن له شبهةُ الكتابِ. فمنه يخرج من العمومِ من يقيد بوصفِ الكتابِ وشبهةِ الكتابِ، بصريحِ النهيِ عن قتلهم القاضي على عمومِ أهلِ الشرك.

وفي مسألتنا إذا قال: الزكاةُ في الغنم والبقر. عم الكُل، فاذا قال: السائمة، خرجت المعلوفة، وإذا قال: وصيتُ بثلثي لبني تميم، عمَّ جميعَهم بالوصية بثلثِه، فإذا قال عقيب ذلك: المشايخِ القُرّاء الشجعانِ تَمحقَ (٢) بكل وصف ذكره ذلك العمومٍ، حتى بقي أوصياؤه (٣) هم الجامعون للشيخوخةِ والشجاعةِ والقراءةِ، فكلما زادَ وصفا، أخرجَ قوماَ منهم، حتى صار كأنه قال: إلا الأميينَ الجبناءَ الشبابَ. فهما في المعنى سواء، وإن اختلفا في الصيغةِ، فحرفُ إلا للإخراج، وتقييدُه بالوصفِ أو الشَّرط أو الغاية للإخراجِ المندرجِ في الإثباتِ.

وليس من حيثُ لم يأتِ بحرفِ الإخراج، لا يعمل التقييدُ بالصفاتِ والشروطِ والغايات عملَ لفظِ الإخراج، كما أنَ فحوى الخطاب إنما هي عن التأفيفِ، ولم يتعرض للضربِ والشتم نطقاً، لكنه عُقِلَ من نهيه عن الأدنى نهيُهُ عن الأعلى، كذلك يُعقل من تقييدهِ بالشَوم في باب الزكاة، وتقييد السيدِ من العربِ إذا أمر عبده


(١) تقدم تخريجه في الجزء الأول، الصفحة: ٣٧.
(٢) اى: بطل وذهب
(٣) تحرفت في الأصل إلى: "صبيانه".

<<  <  ج: ص:  >  >>