للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلِ، وأنه لا يجوزُ الشراءُ مع عدمِ الإذنِ، ولا الضربُ مع عدمِ الأمرِ بهِ، وإن حَسُنَ العتبُ؛ فإنما حَسُنَ على الضربِ بغيرِ أمرٍ، وشراء الأبيضِ بغيرِ إذنٍ، لا لأنه خالفَ مقتضى اللفظِ ودليلَه.

فيقال: إنَ كونَ الأصل صالحاً للتمسّك به والتعويلِ عليه لا يمنع كونَ دليلِ النطقِ عاملاً غير معطَل، كما أنَ فحوى الخطاب عاملٌ في منعِ الضربِ والشتمِ للوالدين في قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الاسراء: ٢٣]، وإن كان الأصلُ في إيجابِ شكر الوالدِ وكلِّ منعمٍ كافياً وصالحاً، ولم يُعطِّل فحوى خطابه في منع التأفيف.

وكذلكَ نصُّ الشرع على الأعيانِ في تحريمِ التفاضلِ، يصلُح قصرُ الحكمِ عليها دون التعليل، كما قال أهل الظاهر (١)، لكنَّا لم نعطلها على استنباطِ التعليل حتى عَدَّينا الحكمَ إلى أمثالهِا، وكُل مشاركٍ لها فيما يلوحُ لنا أنه علّية حُكم، كما يحسنُ أن يعاتبَ العبدَ إذا اشترى الأبيضَ، وإذا ضربَ بعد التوبة، ويَجعل علّية عَتبه عَدم إذنه له.

يحسنُ أيضاً أن يقول له: لو كانَ الأبيضُ عندي والأسودُ سواءً، لما خصصتُ الأمرَ بالأسودِ، ولولا أني أكره شراءَ الأبيضِ، لما قيدتُ أمري بشراء الأسودِ، ولو كان التائبُ عندي كالمذنبِ، لما قيدتُ الضربَ بالذنب، والتعلُّقُ باستصحابِ الأصلِ تعطيل لدليلِ النطق مع إمكانِ إعماله.

كما أنَّ حرف (إلا) في بابِ الاستثناءِ قد يجيء بمعنى الواو العاطفةِ، وإذا أطلق لا يخرجُ عن إعمالِه في إخراجِ بعضِ الجملةِ المستثنى منها، وكذلكَ العمومُ قد يجيءُ بمعنى الخصوص، ويُحملُ على عمومِه باطلاقِه. كذلك دليلُ الخطابِ، وهو ظاهر من لغتهم، فلا يُعدل عنه إلى البقاءِ على حكمِ الأصل.

ومنها: أن قالوا: المستثنى والمستثنى منه يشتملُ على لفظين، إثبات، وهو قوله: عشرة، ونفي، وهو قوله: إلا درهمان. وكذلك التخصيصُ، قوله: اقتلوا المشركين،


(١) انظر" الإحكام" لابن حزم ٧/ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>